للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي التراث الفقهي ما يتعرض لحكم إعادة الجزء المقطوع في حدٍّ أو قصاصٍ من الجاني بعد تنفيذ الحكم، وقد تناول الفقهاء هذه المسألة، أو ما هو قريب منها في حال إذن المجني عليه في الإعادة والرد، وفي حال لم يأذن، وفي حال استطاع المجني عليه الإعادة لعضوه المقطوع، وفي حال لم يستطع (١).

وينبغي التنبه إلى أن دلالة تلك الفتاوي القديمة على النوازل المستجدة قد لا تكون بطريق المطابقة، وإنما بطريق التضمن أو اللزوم، وقد لا تكون بمفهوم الموافقة، وإنما قد تكون بمفهوم المخالفة.

رابعًا: الاعتماد على النصوص في ضوء المقاصد:

وأخيرًا فإن المفتي المعاصر اليوم إذا طالع هذه الفتاوي وتأمل في طريقة الفقهاء القدامى بان له تعلقهم بالنصوص والتزامهم بها، وحرصهم عليها، وعنايتهم بفقهها، وما صادمها أو عارضها أو أهدرها فهو مرفوض.

كما تبرز -وبوضوح أيضًا- عنايتهم بالمعاني والمقاصد والمصالح، والأصل أن يجتمع في حس الفقيه النص وما يقتضيه، والمصلحة والمعنى معًا.

ولقد رأينا في فقه المذاهب أيضًا رعاية ما سبق آنفًا؛ فالمزارعة مثلًا فاسدة في ظاهر الرواية عند الحنفية، وهو رأي أبي حنيفة، لكن الفتيا المعتمدة في مذهب الفقهاء الحنفية هي على قول الصاحبين، وهو أن المزارعة جائزة (٢)؛ للنص عليها ولحاجة الناس إليها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - "عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع" (٣).


(١) الفتاوي الهندية، (٦/ ١١)، الأم، للشافعي، (٧/ ١٨٤)، الإنصاف، للمرداوي، (١٠/ ٩٨)، كشاف القناع، للبهوتي، (٥/ ٥٤٩)، البيان والتحصيل، لابن رشد، (١٦/ ١٧).
(٢) الدر المختار، للحصكفي، (٦/ ٢٧٥)، الفتاوي الهندية، (٥/ ٢٩١).
(٣) أخرجه: البخاري، كتاب الإجارة، باب: إذا استأجر أرضًا فمات أحدهما، (٢٢٨٥)، ومسلم، كتاب المساقاة، باب: المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع، (١٥٥١) -واللفظ له-، من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-.

<<  <  ج: ص:  >  >>