للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبيل المثال: يمكن الإفتاء بوقوع طلاق الثلاث طلقة واحدة تيسيرًا على المستفتي؛ لأنَّ له سندًا من السنة، ففي حديث ابن عباس -رضي الله عنه-: "كان الطلاق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة. . ." (١) الحديث، وقد أفتى به طائفة من أهل العلم الثقات، وإن خالفوا الجمهور.

[الضابط الخامس: ترك تتبع الرخص والزلات]

فعلى المفتي إذا أراد التيسير أن يطلبه من الوجه الصحيح الذي وصفه الشارع؛ لأنَّ في ذلك حصول المصلحة والتخفيف على وجه الكمال، وهذا يتطلب من المفتي أن يكون عالمًا بأوجه ومجالات التيسير في الشريعة ليتحرَّاها، ولا يصح أن يسلك الطرق غير الصحيحة كتتبع الرخص، والبحث عن شواذِّ الأقوال، والحيل الفاسدة، وغيرها مما ليس مشروعًا؛ إذ الغاية لا تبرر الوسيلة، فليس للمفتي تتبع رخص المذاهب، بأن يبحث في كل ما يُستفتى فيه عن الأسهل من القولين أو الوجهين ويفتي به؛ ذلك أن الراجح في نظر المفتي هو في ظنه حكم الله تعالى، فتركُه والأخذ بغيره لمجرد اليسر والسهولة لا يصح؛ ولأن المفتي لو أفتى الناس بالرخص في كل شيء وفي كل حال ولكل شخص، لَذَابَ الدين بين الناس، وأصبح الأصل هو الترخص لا العزيمة" (٢).

الضابط السادس: عدم ترتب مفسدة على التيسير عاجلاً أو آجلاً:

يجب على المفتي أن يراعي في التيسير قاعدة المآل وقاعدة سد الذرائع، وأن يلاحظ ما يترتب على فتواه، ولا يسوغ له أبدًا أن يفتي -ولو على سبيل التيسير- بما يكون سببًا لنشر فتنة أو وقوع ضرر عام، ولو كان رأيه رأيًا شرعيًّا.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "على المفتي أن يمتنع عن الفتوى فيما يضر


(١) أخرجه: مسلم، كتاب الطلاق، باب: طلاق الثلاث، (١٤٧٢).
(٢) ضوابط تيسير الفتوى، لليوبي، (ص ٣٩)، الرخص الشرعية أحكامها وضوابطها، للزحيلي، (ص ٩٢) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>