للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجه الدلالة:

غلَّب النبي - صلى الله عليه وسلم - مصلحة تأليف القلوب على الإسلام على مفسدة بقاء جزء من البيت خارج بنائه، وارتفاع باب الكعبة عن الطائفين والزوَّار.

ثالثًا: المعقول:

١ - لو أن الجهة المغلوبة كانت مقصودةً للشارع ومعتبرةً لم يكن الفعل مأمورًا به بإطلاق، أو منهيًّا عنه بإطلاق، بل يكون مأمورًا به من حيث المصلحة، ومنهيًّا عنه من حيث المفسدة، ومعلوم قطعًا أن النهي عن الخمر والميسر ونحوهما كان قاطعًا باتًّا غيرَ معللٍ بالمصلحة. (١)

٢ - لو كانت الجهة المغلوبة مقصودةً ومعتبرةً للشارع مع الجهة الغالبة سواءً بسواءٍ لكان تكليفًا بما لا يطاق، وهو باطل شرعًا؛ وذلك لأن الجهة المرجوحة مضادة في الطلب للجهة الراجحة، فيكون المكلف مأمورًا بالإيقاع وبعدمه في وقت واحد في محل واحد، وهو تكليف محالٌ لا يطاق (٢).

[تطبيقات القاعدة في تأصيل فقه الأقليات]

إن هذه القاعدة الأصولية المقاصدية تقيم البرهان على ارتباط وثيق بين المصلحة من جهة، وبين الأحكام من جهة أخرى، كما أنها تجعل الكلمة الأخيرة عند التعارض هي لنص الشارع الحكيم، مع قطع النظر للمغلوب من المصالح أو المفاسد.

ولا شك أنَّ ثمةَ تطبيقاتٍ كثيرةً ومتعددةً لهذه القاعدة وسابقتها في حياة الأقليات الإسلامية، والتي تعيش نائية عن بلاد المسلمين، ومحكومة بغير شرائعهم، وعليه: فإن مسائلَ كثيرةً مما اعتبر الشارع فيها وجوهًا من المصالح أو المفاسد تشرع لأجلها الأحكام سوف تبقى


(١) الموافقات، للشاطبي، (٢/ ٣١).
(٢) المصدر السابق، (٢/ ٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>