الحالة الثالثة: إذا كان التأمين تعاونيًّا تكافليًّا:
لأن الغرر الذي في العقد مغتفر؛ لكونه من عقود التبرعات، والتأمين التعاوني يختلف في أهدافه وآثاره عن التأمين التجاري، فالتعاوني يهدف إلى تحقيق التكافل والتعاون فيما بين المستأمنين، وهو بهذا يحقق مقصدًا من مقاصد الشريعة الإسلامية، بخلاف التأمين التجاري فإن الهدف منه الاسترباح والمعاوضة؛ فلذا كان محرَّمًا.
ومن صور التأمينِ التعاونيِّ المعاصرة:
١ - التأمينُ الاجتماعيُّ الذي تقدمه الحكومات والهيئات العامة للمواطنين.
٢ - البرامج التقاعدية والادخارية التي تستثمر فيها الأموال المدخرة في وسائل استثمارية مباحة، وبطريقة مشروعة.
٣ - التأمينُ الطبيُّ الذي ترعاه الدولة وتتقاضى رسومًا ربما تكون في كثير من الأحيان رمزية.
٤ - الجمعيات التعاونية، والتأمين المعمول به في النقابات المهنية ونحوها.
ومن تتمة القول فإن الأصل الجاري هو حرمة العمل في شركات التأمين التجاري، ويستثنى من ذلك: حالة الضرورة أو الحاجة الملحة بأن لا يجد الشخص في مجال تخصصه أي عمل، أو أي عمل مناسب يستطيع أن يعيش هو وعياله عليه عيشَ الكفاف سوى العمل بشركات التأمين التجاري ففي هذه الحالة يجوز؛ لأن ما يتعلق بالغرر يجوز الاستثناء منه بالحاجة العامة، أو الحاجة الملحة، في حين أن ما يتعلق بالربا لا يجوز الاستثناء منه إلا بالضرورة، وهذه قاعدة أصَّلها شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث قال -في التفرقة بين حرمة الربا، وحرمة الغرر-: "وأما الربا فتحريمه في القرآن أشد" -أي: من الغرر- ثم ذكر الأدلة على ذلك من المنقول والمعقول، ثم قال:"ومفسدة الغرر أقل من الربا؛ فلذلك رخص فيما تدعو إليه الحاجة منه". ثم ذكر أدلة على جواز الاستثناء من الغرر للحاجة بالسنة النبوية المشرفة، وضرب لذلك أمثلة منها: بيع العرايا (١).
(١) مجموع الفتاوي، لشيخ الإسلام ابن تيمية، (٢٩/ ٢٣ - ٢٦).