للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما المعاملات فقد اختلف العلماء في اعتبار أصل المصلحة المرسلة فيها وفي حجيتها في أبوابها، واشتهر بالقول بها مالك -رحمه الله-، ثم أحمد بن حنبل -رحمه الله-، ونسب إلى الشافعية والحنفية إنكار المصلحة المرسلة، وبين هذين الفريقين يقف فريق من العلماء موقفًا وسطًا، كالغزالي -رحمه الله- الذي اشترط في قبولها أن تكون ضرورية لا حاجية، وأن تكون قطعية كلية، وجعلها كالاستحسان (١)، "وهذا الخلاف يُحكى في كتب الأصول على نحو واسع، ولكننا لا نجد آثاره بهذه السعة والكثرة في كتب الفقه، فالفقهاء المنسوب إليهم عدم الأخذ بالمصالح المرسلة وُجدتْ لهم اجتهادات قامت على أساس المصلحة المرسلة. . . كما نجده في فقه الشافعية والحنفية" (٢).

وقد استدل المانعون المنكرون للمصلحة المرسلة بأن القول بالمصلحة المرسلة يعني أن الشارع ترك بعض مصالح العباد فلم يشرع لها من الأحكام ما يحققها في الدارين، قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨]، وقال سبحانه: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: ٣٦]، وقال سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة ٣].

كما استدلوا بأن المصالح المرسلة مترددة بين المعتبرة والملغاة، فليس إلحاقها بالمصالح المعتبرة بأولى من إلحاقها بالملغاة، فامتنع الاحتجاج بها دون شاهد يرجح كونها معتبرة لا ملغاة (٣).

واحتجوا كذلك بأن الاحتجاج بالمصلحة المرسلة، يفتح الباب على مصراعيه لكل مفتون من علماء السوء وأئمة الضلال ليقول ما شاء بهواه بعد أن يلبسه ثوب المصلحة.

[مناقشة أدلة المنكرين]

هذه هي أدلة المنكرين للمصالح المرسلة، والواقع أنها في ظاهرها قوية، ولها وجاهة واعتبار،


(١) المستصفى، للغزالي، (ص ١٧٥ - ١٧٦).
(٢) الوجيز في أصول الفقه، د. عبد الكريم زيدان، (ص ٢٣٨).
(٣) إحكام الأحكام، للآمدي، (٤/ ١٦٧ - ١٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>