للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنها مع ذلك لا تنهض لدفع هذا الأصل، وإن كانت تفيد في التقييد ووضع الشروط.

فقولهم: إن الشريعة راعت المصالح، ولم تفرط في ذلك صحيح، ولكنها لم تنصَّ على جميع جزئيات المصالح إلى يوم الدين، وإنما نصت على بعضها وعلى كلياتها، ودلت بمجموع أحكامها ومبادئها على أن المصلحة هي مقصود الشارع، وهذا من دلائل صلاحيتها للبقاء والعموم؛ لأن جزئيات المصالح تتغير وتتبدل، فليس من المصلحة أن ينصَّ الشارع الحكيم على كل جزئية؛ وبناءً على ذلك فإنه إذا طرأت مصلحة لم يَرِدْ في الشرع حكم خاص بها وكانت مناسبة ولا تخالف نصًّا ولا أصلًا، فمن السائغ إيجاد الحكم الذي يناسب ويحقق تلك المصلحة.

وأما قولهم بأن المصالح المرسلة مترددة بين المعتبرة والملغاة فهذا صحيح، ولكن هذا لا يترتب عليه إهدارها؛ لأن الإلحاق بالمعتبرة أولى؛ لأن الشريعة مبناها على جلب المصالح، ثم إنه إذا قامت قرينة تدل على أن هذه المصلحة المرسلة محققة لمقاصد الشارع فلا مجال لإهدارها أو إلحاقها بالمصالح الملغاة.

وأما قولهم بأن هذا يُجَرِّئ الجهالَ، فيرد عليه بأن الجهال والمغرضين وأصحاب الأهواء لا يفتأون يمارسون التضليل، ويدخلون إليه من كل باب، سواء من باب المصلحة أو غيره، وإن واجب العلماء كشف زيفهم والرد على ترهاتهم.

أما القائلون بالمصلحة المرسلة فقد استدلوا بالآتي:

١ - "أن الشريعة ما وضعت إلا لتحقيق مصالح العباد في العاجل والآجل" (١)، وأنها "كلها مصالح: إما درء مفاسد أو جلب مصالح" (٢)، وأن "مبناها وأساسها على الحكمة،


(١) الموافقات، للشاطبي، (٢/ ٦).
(٢) قواعد الأحكام، للعز ابن عبد السلام، (١/ ١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>