للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التشمير عن ساعد الجد والتطلع نحو ذرى التفقه في دين الله -عز وجل-، والتأهل لرتب الاجتهاد، مع الحذر من التصدر قبل التأهل لهذا الباب.

ثالثًا: وقوع الاضطراب في كثير من المواقف والأحكام المتعلقة بالأقليات:

إن تصدر غير المتأهلين لنوازل الأقليات المسلمة، أو غياب منهج النظر الصحيح في استنباط تلك الأحكام، مع ضعف الإحاطة بواقع تلك البلاد وظروف أهلها، وملابسات أحوالهم؛ يُنتِج -ولابد- اضطرابًا شديدًا، وتخبطًا واضحًا في قضايا الأقليات ونوازلها.

وقد ينشأ الخلل من تطبيق بعض المتأهلين اليوم لأحكام سابقة صدرت عن فقهاء مسلمين في عهود سياسية مستقرة، وفي حال من التمكين والقوة، دون تنبه لمدى مطابقتها للواقع اليوم، سواء من حيث تطابق معاني المصطلحات، أو توافق الأحكام واتساقها وانسجامها، فنشأ عن الغفلة عن تحرير المصطلحات، والتأكد من تحقق تلك المطابقات، وتحرير المناطات كثيرٌ من الخلط والاضطراب (١).

ولا شك أن الفتاوي والأحكام الاجتهادية قد يقع فيها تمييز بين حال وحال، وزمان وزمان، ومكان ومكان؛ لذا قعَّد الفقهاء أنه لا يُنُكَرُ تغيُّرُ الأحكام الاجتهادية والفتاوي بتغير الأزمان والأحوال.

قال ابن عابدين: "فكثيرٌ من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغير عُرف أهله، أو لحدوث ضرورة، أو فساد أهل الزمان بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولًا للزم منه المشقة والضرر بالناس، ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير، ودفع الضرر والفساد؛ لبقاء العالم على أتم نظام وأحسن إحكام" (٢).


(١) الأصول الشرعية للعلاقات بين المسلمين وغيرهم في المجتمعات غير المسلمة، د. محمد أبو الفتح البيانوني، مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد السادس، محرم (١٤١٣ هـ)، (ص ١٤٤ - ١٤٥).
(٢) نشر العرف، لابن عابدين، ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين، (٢/ ١٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>