ولا شك أن تعامل المسلمين مع غيرهم يختلف تبعًا لاختلاف الأحوال من حرب إلى عهد، فالكفار في دار العهد مصانة أموالهم ودماؤهم وأعراضهم، فلا يجوز هتكها أو استباحتها، بخلافهم في دار الحرب؛ إذ تستباح دماؤهم وأموالهم بما شنُّوه على الإسلام وأهله من الحرب.
وللتمثيل على وقوع الاضطراب في أمور مهمة في هذا الشأن: فقد تخبط الناس اليوم في كيفية تعامل المسلمين المقيمين في بلاد الكفر مع أهل هذه البلاد، فمن مستحلٍّ لدمائهم وأموالهم وأعراضهم بحجة أنهم محاربون للإسلام وأهله، ومن واقع في ولاءٍ كاملٍ لهم يبذل لهم ما يبذله لدولة الإسلام ومجتمعه من حقوق بلا قيد أو تحفظ.
وهذا التخبط يرجع إلى عدم فهم الواقع من جهة، وإلى جهلٍ بالأحكام الشرعية من جهة أخرى، وإلى تحقيق المناطات في الواقع من جهة ثالثة!
والحكم الشرعي في هذه المسألة ينبني على أمرين مهمين:
الأمر الأول: أن عَقْدَ العهد مع دولة كافرة أو إعلان الحرب عليها، إنما ينشئه الخليفة أو الإمام العام الذي يمثل كلمة المسلمين فيحارب أو يعاهد بالنيابة عنهم، وليس لأحد من المسلمين أن ينفرد بعقد عهد أو إعلان حرب بدون إذن الخليفة أو موافقته، ففي هذا افتئات على الإمام وتعدٍّ على سلطانه واستهانة بتمثيله للمسلمين كلهم.
ومع غياب الخليفة وسقوط الخلافة الإسلامية، ونشوء دول إسلامية لا تُحكِّم الشريعة في أكثر مناحي حياتها، فُقد الإمام الشرعي الذي يمثل الجماعة المسلمة بأسرها، والذي له الحق أن يتكلم باسمها، فيحارب أو يعاهد، لا سيما إذا علمنا أن هذه الدول مختلفة فيما بينها ومتباينة في ولائها وبرائها، فعدوُّ هذه الدولة المسلمة هو صديق دولة مسلمة أخرى، فليس يجمعها عدوٌّ مشترك أو صديق مشترك! حتى لم تعد هناك دولة واحدة من دول الكفر هي عدو لكل الدول المسلمة!!
ففي ظل هذه الحال البائسة يجب التحري في الاستدلال بأقوال الفقهاء الواردة في الحرب أو