العهد؛ لأنها وردت في ظل خلافة إسلامية كانت قائمة، فلا يمكن -بسهولة- تنزيلها على واقعنا من كل وجه؛ بل يجب التدقيق في مدى مطابقة الحالة التي تكلموا فيها على الحالة التي نعيشها اليوم، فحيث تشابهت الحالة بنينا على أقوالهم وخرَّجنا واستدللنا بها، وحيث اختلفت الأحوال وجب الاجتهاد لمعرفة حكم النوازل المستجدات.
والأمر الثاني: أن غاية الحرب في الإسلام هي إزالة الفتنة، كما قال تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}[البقرة: ١٩٣].
والفتنة التي يراد إزالتها هي الصد عن سبيل الله، وليس وجود الكفر، فأيما رجل بلغَتْهُ دعوة الإسلام ولم يقنع بها فهو وشأنه؛ إذ لا إكراه في الدين، ولكن إذا حالت أنظمة طاغية ظالمة دون وصول الدعوة إلى الناس حتى يتفكروا فيها، فهذا صدٌّ عن سبيل الله، وهذه فتنة يجب إزالتها، وهذه هي غاية القتال في الإسلام؛ ولذلك كانت الحرب في الإسلام خاضعة لمبادئ سامية لا يجوز تعديها أو التهاون بها، منها: أن يُبلَّغ الكفار دعوة الإسلام قبل أن يُقاتَلُوا؛ لأن الغاية هي تبليغ الدين لهم، وإسلامهم أحب إلى الله ورسوله من أي شيء سواه.
فإذا أسلموا ملكوا بلادهم وأموالهم وأعراضهم، فالإسلام لا يريد التسلط على الناس ولا استغلال خيراتهم؛ وإنما يريد نفعهم في الدنيا والآخرة.
فإن أبوا الإسلام، أُمِروا بتمكين المسلمين من تبليغ دين الله إلى سائر رعاياهم وشعوبهم؛ لأن الإسلام لا يُكرههم على ترك دينهم، وإنما هدفه تبليغ دين الله الحق لجميع الناس.
فإن رضوا بذلك، تُركوا ولم يُتَعرض لهم، وهذا أهم معاني عقد الذمة الذي يعقدونه مع المسلمين.
فإن أبوا تمكين المسلمين من تبليغ دين الله فيُؤذنوا عندها بالحرب، وهم يعلمون لماذا يُحَارَبون، وما هي الغاية التي تنتهي إليها حربهم، قال تعالى: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ