للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس له عقوبة مقدرة في الشريعة لجرائم الحرب (الجرائم التي تضر المصلحة العامة) فإن الحنفية نصُّوا على أنه لا يؤدبه الأمير لأول وهلة، ولكن ينصحه حتى لا يعود إلى مثل ذلك أملًا للعذر، فإن عصاه بعد ذلك أدَّبه إلا أن يبين في ذلك عذرًا، فحينئذ يخلِّي سبيله بعد أن يحلف اليمين على قوله (١).

وبقطع النظر عن أن الراجح في المسألتين المعروضتين للتمثيل هو مذهب الجماهير سلفًا وخلفًا، فإن المقصود بيان أثر اختلاف الديار والأماكن والبلدان في نظرة بعض الفقهاء لاستنباط وإجراء الأحكام.

[الفرع الثالث: اختلاف أحوال المكلفين ومقاصدهم]

والأصل في مراعاة هذا الجانب عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - وفتاويه، فمن ذلك:

حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: كنَّا عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجاء شاب فقال يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أُقَبِّلُ وأنا صائم؟ قال: "لا"، فجاء شيخ، فقال: يا رسول الله أُقَبِّلُ وأنا صائم؟ قال: "نعم"، فنظر بعضنا إلى بعض، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "علمت نظر بعضكم إلى بعض، إن الشيخ يملك نفسه" (٢).

وللحديث شاهد آخر من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلًا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المباشرة للصائم، فرخَّص له وأتاه آخر فسأله، فنهاه فإذا الذي رَخَّصَ له شيخ وإذا الذي نهاه شابٌّ (٣).

فهذا من باب تغير الفتوى بتغير القرائن والأحوال، فإن ما يباح للشيخ المالك


= الإسلامي، لعبد القادر عودة دار الكتاب العربي، بيروت، (١/ ٢٨٠ - ٢٨٧).
(١) التعزير في الشريعة الإسلامية، لعبد العزيز عامر، مطبعة مصطفى البابي، القاهرة، ١٣٧٧ هـ, ١٩٥٧ م، (ص ٢١٤، ٣٦).
(٢) سبق تخريجه.
(٣) أخرجه: أبو داود، كتاب الصوم، باب: كراهيته (يعني: القبلة) للشاب، (٢٣٨٧)، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح سنن أبي داود"، مؤسسة غراس للنشر والتوزيع، الكويت، ط ١٤٢٣،١ هـ / ٢٠٠٢ م، (٢٠٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>