للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيما يلي بعض الأمثلة:

١ - لو دخل مسلم دار الحرب بأمان فتعامل مع حربي بالربا أو غيره من العقود الفاسدة جاز عند أبي حنيفة ومحمد بن الحسن، ولم يجز عند أبي يوسف وجمهور الفقهاء، وقد استدل أبو حنيفة ومحمد بأن المسلم يحل له أخذ مال الحربي من غير خيانة ولا غدر؛ لأن العصمة منتفية عن ماله، فإتلافه مباح، وفي عقد الربا، المتعاقدان راضيان فلا غدر فيه، فالربا كإتلاف المال، قال محمد: وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان فلا بأس بأن يأخذ منهم أموالهم بطيب أنفسهم بأي وجه كان؛ لأنه إنما أخذ المباح على وجه عرا عن الغدر، واستدل أبو يوسف والجمهور بأن حرمة الربا ثابته في حق المسلم والحربي، أما بالنسبة للمسلم فظاهر، وأما بالنسبة للحربي فلأنه مخاطب بالمحرمات، وقال تعالى: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: ١٦١] (١).

٢ - إذا ارتكب المسلم ما يوجب العقوبة في دار الحرب كالزنا والسرقة وشرب الخمر، أو قَذَفَ مسلمًا أو قَتَلَهُ، فإنه لا يكون مستوجبًا للعقوبة عند الحنفية خلافًا للجهور حتى ولو رجع إلى دار الإسلام؛ لأنه لم يقع الفعل موجبًا للعقاب أصلًا؛ لعدم ولاية إمام المسلمين على دار الحرب، وليس لأمير السريَّة إقامة الحد في دار الحرب، وكذلك إذا وقعت الجريمة في دار الإسلام، ثم هرب الشخص إلى دار الحرب فلا تسقط عنه إقامة الحد لوقوع الفعل موجبًا للعقاب فلا يسقط بالهرب (٢). أما إذا وقع من المسلم في دار الحرب ما يوجب تعزيرًا لا حدًّا أي: مما


(١) الرد على سير الأوزاعي، لأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، تصحيح وتعليق: أبي الوفاء الأفغاني، لجنة إحياء المعارف النعمانية، حيدر آباد، ط ١، (ص ٩٦ - ٩٨)، بدائع الصنائع، للكاساني، (٥/ ١٩٢).
(٢) الرد على سير الأوزاعي، لأبي يوسف، (ص ٨٠ - ٨٣)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، لفخر الدين عثمان بن علي الزيلعي، المطبعة الكبرى الأميرية، القاهرة، ط ١، ١٣١٣ هـ، (٣/ ٢٦٧)، التشريع الجنائي=

<<  <  ج: ص:  >  >>