للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اتباع الهوى ليس من المشقَّات التي يترخص بسببها، وأن الخلاف إنما هو رحمة من جهة أخرى، وأن الشريعة حَمْلٌ على التوسط، لا على مطلق التخفيف، وإلا لزم ارتفاع مطلق التكليف من حيث هو حرج ومخالفة للهوى، ولا على مطلق التشديد، فليأخذ الموفق من هذا الموضوع حذره، فإنه مزلة قدم على وضوح الأمر فيه" (١).

[رابع عشر: احترام العلماء وتقدير اجتهادات المخالفين]

مضت السنة حميدةً بين أهل العلم برعاية أقدار العلماء وصيانة حرماتهم، والكفِّ عن أعراضهم، ومعرفة الرجال بالحق، لا الحق بالرجال، مع حسن الظن وتقديم العذر، والاعتذار عن المخطئ من أهل العلم.

وكان الحرص على الجماعة ووحدة الصف شعارهم ودأبهم وديدنهم؛ وذلك من لدن الصحابة وإلى يوم الناس هذا؛ وكان من الصحابة من يصلي خلف من لا يتوضأ من أكل لحم الجزور، ولا من خروج الدم بالحجامة، ولا من أكل ما مسته النار مع أن مذهبه بخلاف ذلك.

وصلَّى الرشيد إمامًا وقد احتجم ولم يتوضأ، وصلى خلفه أبو يوسف، ولم يُعِدِ الصلاة مع أن الحجامة عنده تنقض الوضوء، وكان أحمد يرى نقض الوضوء من الرعاف والحجامة، فقيل له: إن كان الإمام قد خرج منه الدم ولم يتوضأ هل يُصلِّي خلفه؟

فقال: كيف لا أصلي خلف مالك، وسعيد بن المسيب؟!

وكان أهل العلم يتبادلون الثناء والاحترام والإكرام والدعاء بظهر الغيب؛ فيقدر التلميذ شيخه، ويثني الشيخ على تلميذه، ويدعو كل منهما للآخر.

فإذا اختلفوا فبأدب جمٍّ وبتقدير متبادل؛ قال الشافعي -رحمه الله- ليونس الصدفي -رحمه الله- (٢)


(١) الموافقات، للشاطبي، (٤/ ٢٥٩ - ٢٦٠).
(٢) يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة بن حفص بن حيان الصدفي، أبو موسى المصري، أحد أصحاب الشافعي وأئمة الحديث، ولد سنة ١٧٠ هـ، وتوفي سنة ٢٦٤ هـ. طبقات الفقهاء، للشيرازي، (ص ٩٩)، وطبقات =

<<  <  ج: ص:  >  >>