فإذا قُدِّر لهذه العوارض أن تزول رجع الحكم إلى أصله الأول وزالت الكراهية، وكذا إذا قُوبلت هذه العوارض بأسباب أقوى منها زالت الكراهية، كأن يتحقق المسلم في بلاد الكفر من وقوعه في الزنا إن لم يتزوج، فيصبح الزواج في حقِّه أوجب؛ لأن درء مفسدة كبيرة محققة مقدم على درء مفسدة متوهمة، أو تحصيل مصلحة هينة.
إن مثل هذه الأمثلة في حياة الأقليات قديمًا تحمل فقهاءَنا المعاصرين على مواصلة العمل والبناء على ما سلف، وصرف العناية الأصولية والفقهية لاستخراج ضوابط فقهية، وقواعد منهجية لفقه الأقليات، ثم العمل على إحكامها من خلال المحاولات التطبيقية في آحاد المسائل التفصيلية التي تندرج تحت هذا النطاق، وبهذا يتحقق تأسيسٌ يستثمر ما سلف تدوينه من قواعد فقهية وقواعد أصولية، لإنشاء ضوابط فقهية في أبواب متعددة، بحيث يتكون من مجموع ذلك منهج فقهي أصولي متكامل يؤصل لفقه الأقليات، ويوجهه ليثمر ثماره في حياة تلك الأقليات بما يحقق مصالحها ومقاصدها الشرعية.
كل هذا مع التأكيد على أن فكرة التأصيل لهذه النوازل لا يمكن أن يتصدى لها إلا الفقهاء المتمهرون، والمجتهدون المتأهلون، فلا مجال لأن يتجاسر الجهال من العوام وأشباههم فيمتطون صهوة هذه الفكرة بما يُفضي إلى تكثير المفاسد والتحلل من رِيْقة التكاليف الشرعية، وتوهين عرى الدين، والانهزام أمام المادية الغربية أو الإلحادية العاتية.
ثانيًا: إقامة الدين بين الأقليات المسلمة:
إن الحفاظ على عقيدة مسلمي الأقليات وتطبيق شريعة الإسلام فيهم هو من أعظم أسباب إقامة الدين وحفظه بينهم؛ ومن هنا تبرز أهمية أن يجد هؤلاء المسلمون حلولًا لمشكلاتهم الاجتماعية والاقتصادية والفقهية داخل مجتمع المسلمين وفي دائرة دينهم، حتى يتمكنوا من صبغ حياتهم الخاصة بصبغة إسلامية في ظروف من التحدي والقهر المادي والمعنوي لتذويب الشخصية المسلمة بثوابتها العقدية والاجتماعية