للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى سبيل المثال: فحين اختلف الفقهاء في إقامة الحدود في بلاد الكفر، كان سببه عند المانعين -وهم الحنفية- أن إقامة الحدود مرهونة بوجود سلطان المسلمين، فَبِه تُستوفى الحدود وبعدمه لا يمكن استيفاء الحدود (١).

وحيث خلت بلاد الكفر عن المنعة والسلطان سقطت فيها الحدود، وهذا الحكم ليس مختصًّا ببلاد الكفار الأصليين، فحتى بلاد الإسلام إذا انحسرت عنها سيادة الشريعة وحلَّت محلَّها الشرائع الغربية تسقط فيها الحدود؛ لخلوها من المنعة والسلطان، إلا أن يقوم بها أهل الحل والعقد حال تمكنهم بعد اجتماعهم.

وحين ذهب الفقهاء من الحنفية (٢) والمالكية (٣) والشافعية (٤) والحنابلة (٥) إلى كراهية تزوج المسلم من كتابيةٍ في دار الكفر؛ بل حتى من مسلمة (٦) -عند بعضهم-؛ لم يكن ذلك لمنازعتهم في الأصل الذي ذكرناه؛ وإنما لعوارض أخرى، وهي ما يسببه هذا الزواج من محذورات شرعية، كأن يدفعه الزواج إلى استيطان بلاد الكفر، والرغبة عن بلاد الإسلام، وتكثير سواد المشركين، أو مخافة أن يبقى له نسل في بلاد الكفر فيفتن عن دينه.


(١) بدائع الصنائع، للكاساني، (٧/ ١٣١)، شرح فتح القدير، لكمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام، دار الفكر، بيروت، لبنان، (٥/ ٢٦٦).
(٢) شرح فتح القدير، لابن الهمام، (٣/ ٢٢٨)، البحر الرائق، لابن نجيم، (٣/ ١١١).
(٣) مواهب الجليل، لشرح مختصر خليل، لأبي عبد الله محمد بن محمد المغربي المعروف بالحطاب الرعيني، تحقيق: الشيخ زكريا عميرات، دار عالم الكتب، ١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٣ م، (٥/ ١٣٥)، حاشية الدسوقي، (٢/ ٢٦٧).
(٤) مغني المحتاج، للشربيني (٣/ ١٨٧)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، لشمس الدين محمد بن أحمد بن شهاب الدين الرملي، دار الفكر، ببيروت، ١٤٠٤ هـ - ١٩٨٤ م، (٦/ ٢٩٠).
(٥) كشاف القناع، للبهوتي، (٥/ ٨٤)، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، لعلاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، (٨/ ١٣٥).
(٦) قاله الشافعي في الأم (٥/ ٦٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>