للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان الفقهاء القدامى كمحمد بن الحسن الشيباني -رحمه الله- في كتابيه "السير الصغير" و"الكبير" قد عرض لأحوال المسلمين وأحكامهم في دار الحرب أو الهدنة والصلح بما يكفي ويشفي، وبما يحقق حيوية الفقه في زمنه، ويؤكد على مواكبة الاجتهاد لحياة الناس، وملاحقة التطور الاجتماعي والتحولات في أنماط الحياة البشرية، ويحقق مصالحها من خلال نصوص وقواعد هذه الشريعة المطهرة، فإن فقهاء أهل هذا الزمان يُدْعون لمواصلة البناء الفقهي الاجتهادي لما يمكن تسميته بفقه الأقليات، وتوجيه العناية بعدئذٍ إلى نوازل تلك الأقليات وأقضيتهم.

ومن هذه النقطة يبدأ تقرير أهمية التأصيل لهذا الفقه؛ حيث إن الحاجة تمس إلى امتلاك أهل الإسلام لمدونة فقهية معاصرة لنوازل الأقليات المسلمة على اختلاف أحوالهم وتنوع مشكلاتهم، ودقة ظروفهم؛ لتشمل ما به حفظ عقائدهم وهوياتهم الفكرية، وضبط علاقاتهم الاجتماعية، وتصرفاتهم الاقتصادية، وسائر شئونهم فيما له صلة بالمجتمع غير المسلم الذي يعيشون فيه، ويتعاملون معه، ويخضعون لسلطانه.

وهذا التأصيل الذي مست الحاجة إليه في هذا الزمان لا يعني ابتداعًا لقواعد أصولية تفضي إلى تحريمِ ما أحلَّ الله أو إباحةِ ما حرَّم الله؛ إذ الأمر كما يقول الإمام الشافعي -رحمه الله-: "الحلال في دار الإسلام حلال في بلاد الكفر، والحرام في بلاد الإسلام حرام في بلاد الكفر" (١).

وإن كان قد وقع اختلاف في الأحكام نتيجةً لعوارض وقعت، ومستجدات ظهرت، فليس لمنازعة في الأصل الذي قرره الشافعي -رحمه الله- بدلالة آيات الكتاب العزيز وأحاديث السنة المطهرة.


(١) الأم، للشافعي، (٩/ ٢٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>