للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الترجيح]

ولعل الراجح من هذه الأقوال: قول من قال بجوازه؛ لتواتر عمل السلف من أئمة المذاهب وغيرهم عليه؛ ولأن هذا النهي عنه ما نقل إلا في القرن السابع، وقد مضى عمل الأمة على خلافه، وذلك الجواز بشرط ألا يخرق إجماعًا.

وبناءً على ما سبق فإنه يجوز للمفتي أن يستعمل التلفيق في الفُتيا، وذلك بالضوابط التالية:

١ - أن يتبع القول لدليله: فلا يختار من المذاهب أضعفها دليلًا، بل يختار أقواها دليلًا، ولا يتبع شواذ الفُتيا، وأن يكون عليمًا بمناهج المذهب الذي يختار منه.

٢ - أن يجتهد في ألا يترك المتفق عليه إلى المختلف فيه، فمثلًا: إذا أحيط خبرًا بالمذاهب الإسلامية على تولي المرأة عقد زواجها بنفسها، لا يفتي بقول أبي حنيفة الذي انفرد به من بين الجمهور، بل يفتي بقول الجمهور، ولا مانع من أن يبين له قول أبي حنيفة ووجه اختياره رأيَ الجمهور.

٣ - ألَّا يتبع أهواء الناس: بل يتبع الدليل، وينظر في المصالح المعتبرة شرعًا، وأن يكون حسن القصد في اختيار ما يختار، فلا يختار لإرضاء حاكم أو لهوى الناس، ويجهل غضب الله تعالى ورضاه، فلا يكون كأولئك المفتين الذين يتعرفون مقاصد الحكام قبل أن يفتوا، فهم يفتون لأجل الحكام، لا لأجل الحق، ولقد رأى الناس من بعض المفتين أنه يتبع موضع التسامح بالنسبة للحاكم ولنفسه، وموضع التشدد بالنسبة للناس، فيختار لنفسه من المذاهب أيسر الآراء، ويختار لغيره آراء مذهبه الذي يفتي به، ولو بلغ حد التشدد (١).

ويلخص العلامة القاسمي (٢) الموقف من التلفيق، فيقول:


(١) أصول الفقه، لمحمد أبي زهرة، (ص ٤٠٥)، الضوابط الشرعية للإفتاء، د. عبد الحي عزب، (ص ٣٠٨).
(٢) القاسمي: جمال الدين أو محمد جمال الدين ابن محمد، من سلالة الحسين السبط، إمام الشام في عصره علمًا بالدين، وتضلعًا من فنون الأدب، مولده ووفاته في دمشق، كان سلفي العقيدة لا يقول بالتقليد، له من الكتب: الفتوى في الإسلام، وإرشاد الخلق إلى العمل بخبر البرق، وموعظة المؤمنين اختصر به إحياء علوم الدين، للغزالي، وإصلاح المساجد من البدع والعوائد، وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، ومحاسن التأويل في تفسير القرآن الكريم، توفي عام ١٣٣٢ هـ. ينظر: الأعلام، للزركلي، (٢/ ١٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>