فلا بد أن يوجد ما يدعو إلى التيسير من ضرورة، أو حاجة تتنزل منزلة الضرورة، أو مشقة تستوجب التيسير، والتحقق من حصول المشقة التي يستدعي نوعها التيسير؛ فإن التيسير ينبغي ألا يكون مُتَّخَذًا للعبث في الدين، أو مجاراة للأهواء، أو للتشهي وموافقة أغراض الناس، قال تعالى:{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ}[المؤمنون: ٧١]، وليس كل مشقة تعرض للإنسان تستدعي التيسير، فإنَّ المشقة لا ينفك عنها عمل من الأعمال غالبًا حتى طلب الرزق، وقد بيَّن العز ابن عبد السلام في قواعد الأحكام أنواع المشقات وما يستدعي منها التيسير، وما لا يستحقه، فقال: "المشاق ضربان:
أحدهما: مشقة لا تنفك عنها العبادة كمشقة الوضوء والغسل في شدة السبرات، وكمشقة إقامة الصلاة في الحر والبرد، ولا سيما صلاة الفجر، وكمشقة الصيام في شدة الحر وطول النهار، وكمشقة الحج. . . فهذه المشاق كلها لا أثر لها في إسقاط العبادات والطاعات ولا في تخفيفها. . .
الضرب الثاني: مشقة تنفك عنها العبادات غالبًا، وهي أنواع:
النوع الأول: مشقة عظيمة فادحة كمشقة الخوف على النفوس والأطراف ومنافع الأطراف، فهذه مشقة موجبة للتخفيف والترخيص. . .
النوع الثاني: مشقة خفيفة كأدنى وجع في إصبع أو أدنى صداع، أو سوء مزاج خفيف، فهذا لا لفتة إليه ولا تعريج عليه. . .
النوع الثالث: مشاق واقعة بين هاتين المشقتين مختلفة في الخفة والشدة، فما دنا منها من
(١) الرخص الشرعية أحكامها وضوابطها، د. وهبة الزحيلي، دار الخير، دمشق، ط ١، ١٤١٣ هـ - ١٩٩٣ م، (ص ٩٥)، ضوابط تيسير الفتوى، والرد على المتساهلين فيها، د. محمد سعد بن أحمد اليوبي، دار ابن الجوزي، الدمام، ط ١، ١٤٢٦ هـ، (ص ٣١).