"والقصد أن التلفيق الذي يبحث عنه المتأخرون ينبغي للمفتي إذا اسْتُفْتِيَ عن مسألة منه أن ينظر إلى مأخذها من الكتاب والسنة أو مدركها المعقول منها، وأما تسرعه إلى القول بالتلفيق بطلانًا أو قبولًا فعدول عن منهج السلف، على أن ما يسمونه بعدُ تلفيقًا -بقطع النظر عما ذكرنا من شأنه- ربما رجع إلى نوع الرخص التي يحب الله أن تؤتى"(١).
فإن قيل: أليس في هذا تتبع لرخص المذاهب، وخروج عن السبيل القويم إلى مسلك ذميم من تتبع الرخص والمسائل الشاذة في كل مذهب؟
فالجواب كما تقدم: إن تتبع الرخص في كل مذهب ممنوع إلا أن يؤدي إليه اجتهاد معتبر، أو تقليد سائغ.
ثانيًا: استخراج الأصول والقواعد والضوابط النافعة في الحكم على النوازل:
مما لا شك فيه أن الفقه فيما مضى قد ساير حياة الناس، وضبط إيقاع الحياة وواكب المستجدات في كل عصر بحسبه، وتصدى فقهاؤنا الأقدمون لأقضيات متعددة ومسائل مستحدثة لم يكن للسابقين عليهم عهد بها؛ فاستثمروا أحكام تلك النوازل بثاقب النظر وبديع الاستنباط؛ فأكدوا برهان صلاحية الشريعة الإسلامية وأصالتها، وقدموا الدليل على إعجازها وتمام كمالها.
وتصدى الفقهاء والمجتهدون لمسائل شتى، فوضعوا لها حلولًا جزئية وأحكامًا خاصة، ومن جملة تلك الفروع المستكثرة والمسائل المتنوعة قعدوا قواعد جامعة، في الفقه تارة، وفي الأصول أخرى، وفي مقاصد الشريعة تارة ثالثة.
وهذه القواعد الجامعة والضوابط الحاكمة كانت بمثابة علامات الطريق ومنارات الاهتداء لمن جاء بعدهم، فحذا حذوهم ونسج على منوالهم؛ فاعتدوا بتلك القواعد