للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان كارهًا لذلك غير مختار له ما وجد مندوحة عنه وقدر أن يحيل بالأمر فيه على غيره كانت المعونة له من الله أكثر، والصلاح في جوابه وفتياه أغلب" (١).

سابعًا: التجرد من الهوى والغرض في السؤال والجواب:

وهذا ضابط مهم للغاية؛ إذ قد يدفع الهوى المستفتي إلى أن يصوغ السؤال بطريقة معينة ليحصل على الجواب الذي يريده، فلا ينبغي للمفتي أن يُستغفل، بل عليه أن يكون يقظًا للسؤال ولحال السائل، عالمًا بحيل الناس ودسائسهم حتى لا يغلبوه بمكرهم فيستخرجوا منه الفتاوي حسب أهوائهم.

قال ابن عابدين -رحمه الله-: "وهذا شرط في زماننا وليحترز من الوكلاء في الخصومات فإنَّ أحدهم لا يرضى إلا بإثبات دعواه لموكله بأي وجه أمكن، ولهم مهارة في الحيل والتزوير، وقلبِ الكلام وتصوير الباطل بصورة الحق، فغفلة المفتي يَلزم منها ضرر عظيم في هذا الزمان" (٢).

فكيف بزماننا اليوم وبنوازل لا عهد لأحد بها؟!

وقال ابن القيم -رحمه الله-: "فكم من باطل يخرجه الرجل بحسن لفظه وتنميقه وإبرازه في صورة حق، وكم من حق يخرجه بتهجينه وسوء تعبيره في صورة باطل، ومن له أدنى فطنة وخبرة لا يخفى عليه ذلك، بل هو أغلب أحوال الناس" (٣).

ثم قال -رحمه الله-: "ينبغي للمفتي أن يكون بصيرًا بمكر الناس وخداعهم وأحوالهم، ولا ينبغي أن يحسن الظن بهم، بل يكون حذرًا فطنًا فقيهًا بأحوال الناس وأمورهم، يؤازره فقهه في الشرع وإن لم يكن كذلك زاغ وأزاغ" (٤).


(١) صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، لابن حمدان، (ص ١١).
(٢) حاشية ابن عابدين، (٨/ ٣٠ - ٣١) بتصرف.
(٣) إعلام الموقعين، لابن القيم، (٤/ ٢٢٩).
(٤) المرجع السابق، (٤/ ٢٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>