سبق عند الحديث التأصيلي دراسةٌ لهذه القاعدة، وبيانٌ بأن وضعَهَا قاعدةً فقهية أحدثَ ارتباكًا عند بعض الباحثين؛ حيث أباحوا بالحاجة دون استفصال، ودون نظر في شروط الاستصلاح، أو الاستحسان.
ولم يتنبهوا إلى أن الحاجة لا تؤثر فيما ثبت النهي عنه بأدلة قوية، بحيث تعتبر في مرتبة قوية من مراتب النهي، فلا تؤثر في تحليل الخمر والميتة والدم، وإنما تؤثر في عموم ضعيف كثرت أفراده وتناوله التخصيص، وفي مرتبة المنهيات التي لا توصف بأنها في أعلى درجات المنهيات.
فالمحرمات القطعية لا تبيحها إلا الضرورةُ الشرعية الخاصة.
ومرتبة الربا أشد من مرتبة الغرر في البيوع، أو الميسر ونحوه.
والفقهاء لم يمثلوا لقاعدة تنزيل الحاجة منزلة الضرورة بمحرمات قطعية كالزنا والربا والقتل، ونحو ذلك، مما عُلِمَ تحريمه بالضرورة من دين الإسلام، وإنما في الغالب يمثلون لها بعقود مشروعة، ويرون أنَّ مشروعيتها كانت على خلاف القياس رعايةً لجانب الحاجة كالإجارة والجعالة والسَّلَمِ والاستصناع، مع أنَّ بعض أهل العلم نازع في كون هذه العقود على خلاف القياس ابتداءً (١).
وقد تحفَّظَ الشيخ ابن بيه -وهو من القائلين بالجواز- على إطلاق القول بأن الحاجة وحدها تكفي في إباحة هذا التعامل، حيث قال: "والحقيقة: أن الحاجة لا تكفي في إباحة الربا، وإنما تعتمد الفتوى على قول العلماء القائلين بهذا مرجحًا بأصلٍ عامٍّ
(١) ومنهم ابن تيمية وغيره، وقفات هادئة، د. صلاح الصاوي، (ص ٦٠).