للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شهد الشرع باعتباره، وهو الحاجة والتيسير" (١).

ومن هنا جاءت فروق بين الضرورة والحاجة في المشقة، ورتبة النهي، والدليل الذي يرفع حكمه بالضرورة، أو الحاجة (٢).

وقد تُستعمَلُ قاعدة الحاجات هذه ها هنا أيضًا فتحدث شيئًا من التوسعة التي إن فاتت حصل عنتٌ ومشقة ظاهرانِ بالغانِ، فَيُرَخَّصُ للإنسان في شيء من التوسع من غير ترفهٍ، ولا تنعُّمٍ، ولا خروجٍ عن حدِّ الحاجة التي يؤدي تركها إلى ضرر في الحال، أو المآل، وهذا المعنى قرره إمام الحرمين الجويني: بجلاءٍ، فقال:

"لسنا نعني بالحاجة تَشَوُّفَ الناس إلى الطعام وتشوُّقَهَا إليه فربَّ مشتهٍ لشيء لا يضره الانكفافُ عنه، فلا معتبر بالتشهي والتشوق، فالمرعيُّ إذن دفع الضرار، واستمرار الناس على ما يُقيم قُواهم".

ثم قرر -رحمه الله- "أن الناس يأخذون ما لو تركوه لتضرروا في الحال، أو في المآل، والضرار الذي ذكرناه في أدراج الكلام عنينا به: ما يُتَوَقَّعُ معه فسادُ البنية أو ضعف يصدُّ عن التصرف والتقلب في أمور المعاش".

ثم قال: "فإن قيل: هلَّا جعلتم المعتبرَ في الفصل ما ينتفِعُ به المتناول؟ "

"قلنا: هذا سؤال عمَّ عن مسالك المراشد؛ فإنا إذا أقمنا الحاجة العامة في حقِّ الناس كافَّةً مقامَ الضرورة في حقِّ الواحد في استباحة ما هو محرَّمٌ عند فرض الاختيار؛ فمن الحال أن يسوغَ الازدياد من الحرام انتفاعًا وتَرَفُّهًا وتَنَعُّمًا، فهذا منتهى البيان في هذا الشأن" (٣).

وفرضُ المسألة كما ذكره: أن يَعُمَّ الحرامُ الأرضَ وتفسد المكاسب كلها، ولا يجد


(١) صناعة الفتوى، لابن بيه، (ص ٢٣٨).
(٢) سبق تفصيل لذلك في المبحث الرابع من الفصل الثالث من الباب الثاني.
(٣) غياث الأمم، للجويني، (ص ٣٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>