أما مجالات التيسير فهي كل ما خرج عن دائرة الثوابت القطعيات والمحكمات، فأغلب مسائل الاعتقاد، وأصول الفرائض، وأصول المحرمات، وأصول الفضائل والأخلاق، وغير ذلك -يعد من الثوابت المجمع عليها، والتي لا يصح أن يطرأ عليها التغيير؛ لذلك لا يعتريها التيسير، إنما التيسير يكون في موارد الاجتهاد، وما يمكن أن يطلق عليه مصطلح "المتغيرات".
ومجال المتغيرات: الأمور الاجتهادية والأحكام التي ارتبط مناط الحكم فيها بالزمان والمكان والأحوال والعوائد، بما يحقق المصلحة الشرعية، والحِكَم المرعية، وكذا حال المستفتي قوةً وضعفًا، والقرائن المصاحبة للواقعة، قال ابن القيم:"الأحكام نوعان؛ نوع: لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها، لا بحسب الأزمنة والأمكنة، ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات وتحريم المحرمات والحدود المُقَدَّرة على الجرائم، ونحو ذلك، فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه، والنوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زمانًا ومكانًا وحالًا كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها؛ فإن الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة"(١).
فما كان من الأحكام من النوع الأول -الذي لا يتغير- فهو خارج عن مجال التيسير قطعًا، وما كان من الأحكام من النوع الثاني -المتغير- فهو من مجالات التيسير إذا توافر الدليل.
رابعًا: التأصيل لفقه الجماعة في حياة الأقلية:
إن من أهم مقاصد فقه نوازل الأقليات المسلمة هو أنه يسعى لترسيخ معنى الجماعة في حياة الأقلية، سواء في ذلك ما يتعلق بعباداتهم أو معاملاتهم أو علاقاتهم الداخلية أو الخارجية مع مجتمع الاكثرية، فالقضية لا تقف عند حدِّ الإجابة على سؤال أو أسئلة لدى
(١) إغاثة اللهفان، من مصائد الشيطان، لمحمد بن أبي بكر الشهير بابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت، ط ٢، ١٣٩٥ هـ - ١٩٧٥ م، (١/ ٣٣٠، ٣٣١).