غيرهم ممن لا يدين بالإسلام من الناس، وقام ذلك كله على أساس أن سلطان الشريعة هو السلطان القيِّم الذي تنفذه ضمائر الأفراد فيما هو من خصائص الضمائر، والهيئة الجماعية متمثلة في الدولة فيما هو من خصائصها.
والأقليات المسلمة قد تتمكن من إقامة الإسلام فيما بينها إلا أنها في علاقاتها مع المجتمع بعد ذلك تكون خاضعة لغير سلطان الشريعة من أنظمة اجتماعية أو قانونية أو ثقافية ينخرطون فيها -اضطرارًا- ويكون السلطان فيها لدين غير دينها، ويلي أمورها ويحكمها من لا يؤمنون بالإسلام ولا يطبِّقون شريعته بين الناس.
وقد كان حظ هذه الحال من أحوال الوجود الإسلامي من التفصيل في نصوص الوحي أقل من حظ تلك الحال التي يكون فيها ذلك الوجود جاريًا على سلطان الشريعة في شئون الجماعة كلها؛ إذ كان ما يتعلق به راجعًا إلى تصرف الفرد المسلم أو الجماعة المسلمة في ذلك الوضع -مع المجتمع الذي انخرطوا فيه والسلطان الذي انضووا تحته- على قدر من الكلية والإجمال والهدي العام، ولعل من حكمة الله تعالى في ذلك أن الوضع الذي يكون فيه للدين سلطان على الجماعة هو وضع منضبط ثابت مستقر، فناسبه البيان التفصيلي، وأما الوضع الذي يكون فيه الوجود الإسلامي خاضعًا لسلطان غير سلطان الدين فإنه وضعٌ استثنائي، متنوعةٌ أحواله، مستجدةٌ فصوله على غير انضباط، فناسبه إذن الهدي العام دون تفصيل؛ ليكون للاجتهاد المنضبط مجاله في الوصول إلى مراد الله تعالى على ضوء ذلك الهدي العام وقواعد استنباط الأحكام، وهو الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى تأصيلٍ مفصَّلٍ لأحكام تلك الأحوال الطارئة، وفيما يلي تركيز لنقاط تمثل أهمية هذا التأصيل، وتؤكد مسيس الحاجة إليه:
أولًا: حفظ كيان الأقليات المسلمة:
لا شك أن الأقليات المسلمة في عدد من البلدان اليوم تسعى إلى الحفاظ على هويتها