للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجتهد يجب عليه أن يتحرى أرجح الأقوال ويفتي بها، ولا يفتي بالمرجوح.

[الترجيح]

الذي يظهر أن المجتهد عليه أن يبحث ويتحرى أرجح الأقوال فيفتي به، وذلك: لأن المفتي واجب عليه الإفتاء بما يعتقد أنه راجح عنده، حتى ولو كان ذلك الراجح مخالفًا لمذهب إمامه، والإجابة بالمرجوح ميل عن الدليل، والتمسك به تعصب لا داعي له، بل إن المفتي واجب عليه أن يتنزه منه؛ ولذلك قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "إذا جاءت المسألة ليس فيها أثر فأفتِ فيها يقول الشافعي" (١). ويقول ابن القيم -رحمه الله-: "ليحذر المفتي الذي يخاف مقامه بين يدي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يفتي السائل بمذهبه الذي يقلده وهو يعلم أن مذهب غيره في تلك المسألة أرجح من مذهبه وأصح دليلًا" (٢).

وقال ابن القيم: "والصواب أنه إذا ترجح عنده قول غير إمامه بدليل راجح، فلا بد أن يخرج على أصول إمامه وقواعده؛ فإن الأئمة متفقة على أصول الأحكام، ومتى قال بعضهم قولًا مرجوحًا، فأصوله ترده وتقتضي القول الراجح، فكل قول صحيح فهو يُخَرَّجُ على قواعد الأئمة بلا ريب، فإذا تبين لهذا المجتهد المقيد رجحان هذا القول وصحة مأخذه خرج على قواعد إمامه، فله أن يفتي به، وبالله التوفيق.

وقد قال القفال (٣): لو أدى اجتهادي إلى مذهب أبي حنيفة، قلت: مذهب الشافعي كذا، لكني أقول بمذهب أبي حنيفة؛ لأن السائل إنما يسألني عن مذهب الشافعي،


(١) كشاف القناع، للبهوتي، (٦/ ٣٠٢).
(٢) إعلام الموقعين، لابن القيم، (٤/ ١٧٧).
(٣) أبو بكر، محمد بن علي بن إسماعيل، القفال، الشاشي، من مصنفاته: كتاب في أصول الفقه وله شرح الرسالة، ولد سنة ٢٩١ هـ، وتوفي سنة ٣٣٦ هـ. طبقات الففهاء، للشيرازي، (ص ١١٢)، طبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة، (١/ ١٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>