للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للأصحاب (يعني أصحاب الشافعي في المذهب) -: "ويترجح ما وافق منهما أكثر أئمة المذاهب المتبوعة أو أكثر العلماء" (١)، قال النووي: "وهذا الذي قاله فيه ظهور واحتمال" (٢).

وبالجملة فإذا كان المجتهد مستقلًّا لم يجز له أن يفتي بمذهب أحدٍ من المجتهدين، بل يجب عليه أن يفتي بما هو حكم الله في نظره هو، ولا يجوز له تقليد غيره من المجتهدين إلا عند الضرورة؛ لأن هذا النوع من المفتين هو الذي يستقل بالأدلة بغير تقليد وتقيُّد بمذهب أحد (٣).

فأما إن كان المفتي منتسبًا إلى مذهب إمام بعينه؛ فإن كان سالكًا سبيل ذلك الإمام في الاجتهاد ومتابعة الدليل -وهذا هو المتبع للإمام حقيقة- فله أن يفتي بما ترجح عنده من قول إمام آخر إن اجتهد فأداه اجتهاده إلى ذلك (٤).

ولا يجوز له أن يفتي بما يعتقده مرجوحًا، للإجماع على ذلك؛ فإن أفتى به أثم؛ لأنه اتباع للهوى، وهو حرام؛ فإن تعارضت الأدلة عنده وعجز عن الترجيح، فيرى الإمام الشافعي أن له الحكم بأيهما شاء لتساويهما عنده، ولمقلده الحكم بأحد القولين إجماعًا (٥).

ويرى الشاطبي أنه يجب عليه التوقف؛ وذلك لأن الجمع بين الدليلين في العمل جمع بين متنافيين، ورجوع إلى إثبات الاختلاف في الشريعة، وهو باطل (٦).

قال ابن دقيق العيد: "هذه المسألة من مشكلات الأصول، والمختار عند المتأخرين الوقف" (٧).

مما تقدم نجد أن أكثر فقهاء الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة أكدوا على أن


(١) أدب الفتوى، لابن الصلاح، (ص ٨٩).
(٢) المجموع، للنووي، (١/ ٦٨).
(٣) المجموع، للنووي، (١/ ٤٢).
(٤) إعلام الموقعين، لابن القيم، (٤/ ٢٣٧)، صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، لابن حمدان، (ص ٣٩).
(٥) شرح عقود رسم المفتي، لابن عابدين، طبع ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين، الآستانة، محمد هاشم القطبي ١٣٢١ هـ، (١/ ١٠ - ١١).
(٦) الموافقات، للشاطبي، (٤/ ١٥٥).
(٧) إرشاد الفحول، للشوكاني، (٢/ ١١٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>