للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نظر في الإجماع، ثم في القياس إن لم يجد الإجماع، وسكت الشافعي عما بعد ذلك، ولا شك أن آخرَ المراتبِ إذا لم يجد شيئًا الحكمُ بالبراءة الأصلية (١).

[المدرك الثالث: التطبيق]

تطبيق الحكم على النازلة يراد به: تنزيل الحكم الشرعي على المسألة النازلة.

ذلك أن تصور النازلة وفهمها فهمًا صحيحًا، ثم تكييفها من الناحية الفقهية يتعرف بهما على حكم النازلة المناسب لها، وهذا نظر جزئي خاص.

أمَّا تنزيل هذا الحكم على النازلة فهو أمر آخر؛ إذ يحتاج ذلك إلى نظر كليٍّ عام، فلا بدَّ من مراعاة المصالح عند تطبيق الحكم على النازلة بحيث لا يفضي تحصيل المصلحة الجزئية إلى تفويت مصلحة عظمى.

وعليه فإعطاء النازلة حكمًا خاصًّا بها لا بدَّ أن يُحَافَظَ معه على مقاصد الشريعة؛ ولهذا ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - هدم الكعبة وبناءها على قواعد إبراهيم -عليه السلام- مراعاة للمصلحة العليا (٢).

إن تنزيل الأحكام على النوازل ليس بالأمر الهين، وإنما يحتاج إلى فقه دقيق، ونظر وثيق، وقد أشار السبكي -رحمه الله- إلى الفرق بين الفقيه المطلق وهو الذي يصنف ويدرس، وبين الفقيه المفتي وهو الذي ينزل الأحكام الفقهية على أحوال الناس الواقعات، وذكر أن الفقيه المفتي أعلى رتبة من الفقيه المطلق، وأنه يحتاج إلى تبصر زائد على حفظ الفقه وأدلته (٣).

فلا بدَّ حينئذٍ من مراعاة مقاصد الشريعة ومصالحها وقواعدها الكلية والموازنة بين


(١) البحر المحيط، للزركشي، (٦/ ٢٢٩ - ٢٣٠).
(٢) أخرج البخاري، كتاب الحج، باب: فضل مكة وبنيانها، (١٥٨٥)، ومسلم، كتاب الحج، باب: نقض الكعبة وبنائها، (١٣٣٣)، من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت، ثم لبنيته على أساس إبراهيم -عليه السلام-؛ فإنَّ قريشًا استقصرت بناءَه، وجعلت له خَلفًا".
(٣) الرد على من أخلد إلى الأرض، للسيوطي، (ص ١٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>