للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تطبيقات القاعدة في تأصيل فقه الأقليات]

ما تزال حياة الأقليات تزخر بكثير من التعارضات والتناقضات، ومن أشدها: ما قد يقع من تعارض بين واجب ومحرم، فلو أن امرأة غير مسلمة تمكَّنَ دين الله من قلبها فدخلت في الإسلام فانبتَّتْ صلتها بأهلها من أهل ملتها الأولى، ولم تجد من تأوي إليه من المسلمين في تلك الدار، فأرادت الهجرة أو السفر من ذلك المكان إلى غيره حفظًا لدينها أو خوفًا على حريتها أو حياتها، وهي منهية عن السفر بدون محرم -على ما هو الأصل في حكم سفر المرأة- فإن أمرها بالهجرة والانتقال مقدم هنا على ما عارضه من النهي عن سفرها بغير محرم، فيقدم الأمر على النهي، والواجب على المحظور، على أن رتبة الأمر هنا فوق رتبة النهي؛ فإن النهي هنا من باب النهي عن الوسائل المفضية للفساد والفتنة، والأمر إنما هو من باب المقاصد لإقامة أمر ضروري وهو حفظ الدين.

ولو أن مسلمًا عمل بجيش غير المسلمين في ديار الأقليات فتوجَّه الأمر إليه بقتل المسلمين وحربهم -كما وقع للمسلمين الأمريكان عند غزو أمريكا لبلاد الأفغان وغيرها- فقد تعارض ما وجب الوفاء به من الأعمال المتعاقد عليها مع دولته مع النهي عن قتل المسلم للمسلم بدون حقٍّ مشروع؛ فيقدم النهي لأن رتبته أعلى؛ إذ حِفْظُ النفس المعصومة مقدمٌ على حفظ ما دونها؛ ولأن المفاسد المترتبة على قتل المسلم -وهو كبيرة- أعظمُ من المفاسد المترتبة على تركه الوفاءَ بمقتضيات عقد وظيفته الذي هو من جنس الوسائل.

والأمثلة على تلك التعارضات في بلاد الأقليات كثيرة شهيرة، والموفَّقُ مَنْ عصمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>