وأما ما ذهب إليه ابن تيمية وابن القيم من تقديم الواجب على المحظور، أو الأمر على النهي، فلا شك أن أصل الأوامر الشرعية ورأسها من الإيمان مقدمٌ على فعل كل نهي دون الشرك والكفر.
والتعارض المقدر إذا كان بشكل مطلق أو كلي أو أغلبي وكان في محلٍّ واحدٍ أو حالٍ واحدةٍ فيقدم الأمر على النهي، ويكون تَرْكُ الأمر أعظمَ من ارتكاب النهي.
وأما ما يتعلق بالجزئيات من ذلك، كأن يتعارض فعل المأمور الجزئي مع ارتكاب المنهي الجزئي في محلٍّ واحد، فينبغي النظر في رتبة المأمور ورتبة المحظور، فإن كانت المفاسد المترتبة على فعل المحرم أعظمَ من مفاسد ترك الواجب احتُمِلت مفسدة ترك الواجب لدرء مفسدة فعل المحرم، وإن كانت مفسدة ترك الواجب أعظمَ ففعل المحرم أولى، وهذا له تعلق بالترجيح بين المصالح والمفاسد عند التعارض، وضوابط ذلك من الكلية والجزئية والتعدي والقصور.
وعليه فلا بدَّ ولا غنى عن النظر في مراتب الأمر والنهي، والواجب والمحرم عند التعارض، فإذا تعارضت صغيرة مع واجب شرعي فليقدم الواجب -فضلًا عن ركن أو أصل من أصول الإيمان- وإذا تعارضت الكبيرة مع الواجب الذي هو من جنس الوسائل -مثلًا- فليقدم ترك مثله على ارتكاب مثلها.
فإن استوت الرتبتان بين الواجب والمحظور، أو نقصت رتبة الواجب، أو حصل تردد أو اشتباه فليعمل عندئذٍ بمذهب عامة الأصوليين من تقديم درء المفسدة على جلب المصلحة، أو تقديم الامتناع عن ارتكاب المنهي عنه درءًا لمفسدته، ولو فَوَّتَ هذا تحصيلَ مصلحة الأمر.
على أنه لا اختلاف على أن ترك الحرام أولى من فعل ما يُستحب، فإذا كان الدنو والقرب من الإمام وإدراك الصف الأول يوم الجمعة وفي الجماعة مستحبًّا متأكدًا فإن تخطي الرقاب يوم الجمعة محرم، فَيُنهَى عن ذلك، ولو فَوَّتَ المصلحة المترتبة على فعل المستحب.