فصار الدين -بحمد الله- هو الرابط الذي يربط بين الأفراد والجماعات المنتمية إليه، وهو العروة الوثقى التي يلجأ إليها الخلق، والقاسم المشترك بين المسلمين في شتى بقاع الأرض، ويتعين أن يكون الولاء والعَدَاء، والحب والبغض عليه وحده، لا على العِرق أو الجنس؛ فوطن الإسلام هو العالم أجمع، والأرض لله تعالى يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين دون من سواهم.
فالأرض أو المادة لا يكوِّنانِ الجماعة الواحدة، وإنما رباط العقيدة وأُخُوَّةُ الإسلام هما ما يجمع بين الناس من مختلف الألوان والأجناس، ومن أقاصي البقاع ودانيها، ويربطان فيما بينهم بنوع من الوحدة أمتنَ وأنبلَ من وحدة اللون والدم والتضاريس.
وعليه فإن انتساب الفرد إلى ما هو أكبرُ أمرٌ قديم في تاريخ الإنسانِ إلَّا أن الناظر في تاريخ الأمم وأحوالِ البشر يظهر له أن التجنس باعتبارِهِ انتماءً من الشخص إلى دولة معينة إنما هو أمر حادثٌ لم يظهر إلَّا في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي لظروف جَدَّتْ على البشرية ما كانت موجودة فيما مضى من عمرها، حيث نظمت لأول مرة بمقتضى نصٍّ تشريعيٍّ بشريٍّ تمثَّل في التقنين المدني الفرنسي الصادر عام ١٨٠٤ م (١).
وعليه، فإن انتماء الشخص إلى دولة ما بالجنسية إنما هو اصطلاح قانوني حديث، يعود إلى القرن التاسع عشر الميلادي.
المطلب الأول: تعريف الجنسية لغةً وقانونًا:
أولًا: مفهوم الجنسية والتجنس لغة:
الجنسية مصدر صناعي مأخوذ من الجنس، وهو الضرب من كل شيء، قال ابن فارس -رحمه الله-:
(١) أحكام القانون الدولي الخاص في التشريع المغريى، دار توبقال للتوزيع والنشر، الرباط، ط ٤، ١٩٩٢ م، (ص ٢٩).