للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول أيضًا: "وإذا كانت مفسدة بيع الغرر هي كونه مظنة العداوة والبغضاء وأكل الأموال بالباطل، فمعلوم أن هذه المفسدة إذا عارضتها المصلحة الراجحة قدمت عليها، كما أن السباق بالخيل والسهام والإبل لما كان فيه مصلحة شرعية جاز بالعوض، وإن لم يجز غيره بعوض، وكما أن اللهو الذي يلهو به الرجل إذا لم يكن فيه منفعة، فهو باطل، وإن كان فيه منفعة -وهو ما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "ليس من اللهو إلا ثلاث: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه ونبله زاد في رواية: "فإنهن من الحق" (١) - صار هذا اللهو حقًّا.

ومعلوم أن الضرر على الناس بتحريم هذه المعاملات أشد عليهم مما قد يتخوف فيها من تباغض، وأكل مال بالباطل؛ لأن الغرر فيها يسير كما تَقَدَّمَ، والحاجة إليها ماسة، والحاجة الشديدة يندفع بها يسير الغرر. والشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضتها حاجة راجحة أبيح المحرم، فكيف إذا كانت المفسدة منتفية؟! ولهذا لما كانت الحاجة داعية إلى بقاء الثمر بعد البيع على الشجر إلى كمال الصلاح، أباح الشرع ذلك، وقاله جمهور العلماء كما سنقرر قاعدته إن شاء الله تعالى" (٢).

[الخاتمة]

لا شك أن الأمن نعمة إلهية، وحاجة إنسانية، وهو مطلب شرعي؛ فإن من بات آمنًا في سربه معافًى في بدنه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا (٣)، ولا شك أن


(١) أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب: في الرمي، (٢٥١٣)، والترمذي، كتاب فضائل الجهاد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، باب: ما جاء في فضل الرمي في سبيل الله، (١٦٣٧)، والنسائي، كتاب الخيل، باب: تأديب الرجل فرسه (٣٥٧٨)، وابن ماجه، كتاب الجهاد، باب: الرمي في سبيل الله، (٢٨١١)، من حديث عقبة بن عامر الجهني -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الله -عز وجل- يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، ومنبله. وارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إليَّ من أن تركبوا. ليس من اللهو إلا ثلاث. . . " فذكره. وصححه الحاكم في "مستدركه"، (٢/ ٩٥).
(٢) مجموع الفتاوي، لابن تيمية، (٢٩/ ٤٨ - ٤٩).
(٣) ففي الحديث: "من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافًى في جسده، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا"؛ أخرجه الترمذي، كتاب الزهد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، (٢٣٤٦)، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب: القناعة، (٤١٤١)، من حديث عبيد الله بن محصن الأنصاري -رضي الله عنه-، وحسنه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع"، (٦٠٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>