للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لإربه في مثل هذا الشأن لا يباح للشاب الذي يُخشى عليه الجرأة على محارم الله، فينبغي أن يقيد الحكم الفقهي بمخرجه، فرُبَّ غافل عن مقصد الحديث ومخرجه يذهل عن هذا المعنى ويفتي بالجواز مطلقًا بدعوى التأسي برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه كان يقبل وهو صائم، وأن عمر -رضي الله عنه- فعل ذلك وقال: هششت فقبَّلت وأنا صائم، فقلت: يا رسول الله إني صنعت اليوم أمرًا عظيمًا: قَبَّلْتُ وأنا صائم؟! قال: "أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم؟ " (١).

فقد راعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الأحكام القرائن والأحوال المحيطة بالسائلين فلا ينبغي أن تعمم الفتيا لسائر المكلفين مطلقًا.

وعليه فقد ذهب طائفة من السلف إلى كراهة القُبلة للصائم، فنهى عنها ابن عمر -رضي الله عنهما- وابن مسعود -رضي الله عنه- وابن المسيب -رحمه الله- (٢) وقال ابن عباس: "يكره ذلك للشاب ويرخص فيه للشيخ"، وهو مذهب مالك.

وقال الشافعي: لا بأس بها إذا لم يحرك منه شهوة، وهو قول أحمد وإسحاق، وقال الثوري (٣): لا تفطره والتنزه أحبُّ إليَّ (٤).


(١) أخرجه: أبو داود، كتاب الصوم، باب: القبلة للصائم، (٢٣٨٥)، والإمام أحمد في "مسنده" (١/ ٢١، ٥٢)، وغيرهما، من حديث جابر بن عبد الله قال: قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنهم-. . . فذكره. ثم قال عمر: قلت: لا بأس به! قال: "فمه؟! ". وصححه ابن خزيمة (١٩٩٩)، وابن حبان (٨/ ٣١٣ - إحسان)، والحاكم (١/ ٤٣١).
(٢) أبو محمد، سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب، القرشي المخزومي، عالم أهل المدينة، سيد التابعين في زمانه، ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر -رضي الله عنه-, وتوفي سنة ٩٤ هـ. طبقات الفقهاء، للشيرازي، (ص ٥٧)، وسير أعلام النبلاء، للذهبي، (٤/ ٢١٧).
(٣) أبو عبد الله، سفيان بن سعيد بن مسروق، الثوري، الكوفي، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين في زمانه، سمع عمرو بن مرة، وحبيب بن أبي حبيب، وروى عنه شعبة، وابن المبارك، ويحيى القطان. ولد سنة ٩٧ هـ، وتوفي سنة ١٦١ هـ. الطبقات الكبرى، لابن سعد، (٦/ ٣٧١)، التاريخ الكبير، للبخاري، (٤/ ٩٢).
(٤) معالم السنن، لأبي سليمان محمد بن محمد الخطابي، تصحيح: محمد راغب الطباخ، في مطبعته بحلب، ط ١, =

<<  <  ج: ص:  >  >>