للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بواسطة عمومات دخلها التخصيص كثيرًا.

فإن وقع الترخص بذلك مع الاكتفاء بمقدار الحاجة، ومَنْعِ ما يزيد عنها، أو ما يدخل في محض التوسع أو الترفه -فإن الله تعالى هو المسئول أن يعفو عن المكلف، وقد قال سبحانه: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: ٢٨٦].

وقد سبق قول إمام الحرمين الجويني -رحمه الله-في غياث الأمم-: "إن الحرام إذا طبق الزمان وأهله، ولم يجدوا إلى طلب الحلال سبيلًا، فلهم أن يأخذوا منه قدر الحاجة، ولا تُشترط الضرورة التي نرعاها في إحلال الميتة في حقوق آحاد الناس، بل الحاجة في حق الناس كافة تنزل منزلة الضرورة في حق الواحد المضطر" (١). ثم ضَبَطَ ذلك بضابط جليًّ حين قال: "فالمرعي إذن رفع الضرار واستمرار الناس على ما يقيم قواهم" (٢).

وقال العز ابن عبد السلام -رحمة الله تعالى-، في قواعد الأحكام في مصالح الأنام: "لو عم الحرام الأرض بحيث لا يوجد فيها حلال جاز أن يستعمل من ذلك ما تدعو إليه الحاجة، ولا يقف تحليل ذلك على الضرورات؛ لأنه لو وقف عليها لأدى إلى ضعف العباد، واستيلاء أهل الكفر والعناد على بلاد الإسلام، ولانقطع الناس عن الحرف والصنائع والأسباب التي تقوم بمصالح الأنام، ولا يتبسط في هذه الأموال كما يتبسط في المال الحلال، بل يُقْتَصَرُ على ما تمس إليه الحاجة، دون أكل الطيبات، وشرب المستلذات، ولبس الناعمات التي بمنازل التتمات، فاظفر بهذا التحقيق فإنه نفيس، وضعه نصب عينيك لتَرُدَّ إليه أشباهه من كل مقيس" (٣).


(١) غياث الأمم، للجويني، (ص ٣٤٤ - ٣٤٥).
(٢) المرجع السابق، (ص ٣٤٦).
(٣) قواعد الأحكام في مصالح الأنام، للعز ابن عبد السلام، (٢/ ٣١٣ - ٣١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>