للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا مذهب المالكية والحنابلة مع الظاهرية (١).

ومثل هذا كثير مشهور معروف من مذاهب الفقهاء من لدن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد كانوا -رضي الله عنهم- ينظرون إلى النصوص، وإلى مقاصدها معًا، ولا يغفلون حكمها وعللها ومصالح الناس.

وتصرفات الصحابة الفقهية تؤكد على كلية الشريعة الكبرى التي تستند إليها أحكامها، وهي جلب المصالح وتكثيرها، ودفع المفاسد وتقليلها.

وباستقراء ما أثر عن الصحابة نجد نماذج كثيرة تنم عن اجتهادات عميقة لا تخرج عن روح النص، وإن بدت للبعض مخالفة له، من ذلك:

أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن قاضيًا وواليًا فطلب منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند أخذه الزكاة من أهل اليمن التوسط في أخذه فقال: "خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقرة من البقر" (٢).

لكن معاذًا نظر إلى الحكمة من أخذ الزكاة فقال لأهل اليمن: "ائتوني بعرض ثياب خميص، أو لبيس في الصدقة مكان الشعير أهوَنُ عليكم، وخيرٌ لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة" (٣).


(١) مواهب الجليل، للحطاب، (٧/ ١٥٢)، كشاف القناع، للبهوتي، (٣/ ٥٣٧)، المحلى، لابن حزم، (٨/ ٢١١).
(٢) أخرجه: أبو داود، كتاب الزكاة، باب: صدقة الزرع، (١٥٩٩)، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب: ما تجب فيه الزكاة من الأموال، (١٨١٤)، والحاكم في "المستدرك " (١/ ٣٨٧)، من حديث عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه إلى اليمن فقال. . . فذكره. قال الحاكم: "هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، إن صح سماع عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل؛ فإني لا أتقنه"؛ فتعقبه الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير"، (٢/ ٣٧٥) بقوله: "لم يصح؛ لأنه ولد بعد موته، أو في سنة موته، أو بعد موته بسنة. وقال البزار: لا نعلم أنَّ عطاءً سمع من معاذ". اهـ.
(٣) علَّقه البخاري جازمًا به إلى طاوس قال: قال معاذ، كتاب الزكاة، باب: العرض في الزكاة، (١/ ٤٤٧).
ووصله -مختصرًا-: ابن أبي شيبة في "مصنفه"، كتاب الزكاة، باب: ما قالوا في أخذ العروض في الصدقة، (٣/ ١٨١). قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (١/ ١٨): "إسناده إلى طاوس صحيح، إلا أن طاوسًا لم يسمع من معاذ".

<<  <  ج: ص:  >  >>