للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَمِيعًا} [الأعراف: ١٥٨]، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالىَ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ: ٢٨]؛ وعليه فإن رسالة الإسلام تتجاوز حدود المكان والأزمان وبني الإنسان، وهذه الدعوة العالمية وهذه الشريعة الإلهية الخاتمة ترعى الثوابت والمحكمات في كل ميدان، وتتعامل مع قضايا ووسائل الاجتهاد بحسب معطياتها ومقدماتها؛ فلا تقف على رأي لا يتغير في هذا الباب أو ذاك، ولا تجمد على أسلوب أو وسيلة لا ترى غيرها، كما لا تتبنى مذهبًا فقهيًّا ناسب مكانَ نشأةٍ أو ظروفَ بيئةٍ ثم ترفع اجتهاداته إلى منزلة محكمات الشريعة وقطعيات الدين، فتخلط بين الموروث الفقهي والأصول الاعتقادية، أو بين الثابت والمتغير في الشريعة الإسلامية (١).

وقد حققت الشريعة هذه العالمية باستنادها إلى الفطرة والعقل، فأحكامها في العقل متسقة، ومع الفطرة ملتئمة، وهي تعتبر في الأحكام الكثير الغالب دون القليل النادر، تضع الأصول وترعى الأعراف، وتقيم المصالح (٢).

ومن روافد مرونة هذه الشريعة المطهرة ما يتعلق بقواعدها الشرعية سواء منها الأصولية أو الفقهية، وفيها ما هو ثابت محكم لا يعتريه تغير أو تبديل، وفيها ما هو موضع نقاش بين العلماء، كقواعد دلالات الألفاظ وطرق دلالتها على الأحكام، والقواعد الأصولية المتعلقة بالخاص والعام والمطلق والمقيد، وقواعد الأمر والنهي عند الأصوليين.

وأما القواعد الفقهية الكلية فهي من جهة أغلبية، ومن جهة أخرى تؤصِّل بعضها للتغير في الفتاوي والاجتهاديات كقولهم في القواعد الكلية الكبرى: "العادة محكمة" (٣).


(١) معالم في أصول الدعوة، محمد يسري، دار اليسر، القاهرة، ط ٣، ١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م، (ص ١١٩) وما بعدها.
(٢) مرونة الشريعة الإسلامية وتطبيقها، الحبيب بالخوجة، مجلة الأمة، رييع الأول (١٤٠٦ هـ)، (ص ٦٦ - ٦٩).
(٣) الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط ١، ١٤٠٣ هـ - ١٩٨٣ م، (ص ٧)، درر الحكام شرح مجلة الأحكام، لعلي حيدر، تحقيق وتعريب: المحامي فهمي الحسيني، دار الكتب العلمية، بيروت، مادة (٣٦)، (١/ ٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>