للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تحت باب "تجويز الحيل يناقض سدَّ الذرائع": "وتجويز الحيل يناقض سدَّ الذرائع مناقضة ظاهرة، فإن الشارع يسدُّ الطريق إلى المفاسد بكل ممكن، والمحتال يفتح الطريق إليه بحيله، فأين من يمنع من الجائز خشيةَ الوقوع في المحرم، إلى من يعمل الحيلة في التوصل إليه؟ " (١).

ولا يخفى أن هذا اللون من الاجتهاد لتبرير الواقع تحت دعوى التيسير ورفع الحرج له آثار سيئة على الدين وعلى الأمة، ومما لا خلاف عليه أن من مقاصد الشريعة الغراء: رفعَ الحرج وجلبَ النفع ودرءَ المشقة والضرر عن المسلم في الدارين، ولكن دون تسيب في الترخص، أو ردِّ بعض النصوص، وتأويلها بما لا يحتمل وجهًا في اللغة، أو في الشرع.

ودعاة التغريب يجدون متكئًا قويًّا، وركنًا متينًا يلجئون إليه عندما يجدون من يبرر لهم دعاواهم باسم الاجتهاد لإضفاء الشرعية على فساد القيم وفساد التصور، فهم يريدون إسلامًا غربيًّا يناسب أهواءهم ويلتقي مع مصالحهم، فتارة يقولون: لا نأخذ بأقوال الأئمة والفقهاء، ولا الشراح والمفسرين، فإنها آراء بشر، ولا نأخذ إلا من الوحي المعصوم.

فإن وافقتَهم على ذلك -افتراضًا- قالوا: إنا نأخذ ببعض الوحي دون بعضه. . . نأخذ بالقرآن، ولا نأخذ بالسنة، فإن فيها الضعيفَ والموضوعَ والمردودَ، أو نأخذ بالسنة المتواترة، ولا نأخذ بسنن الآحاد، أو نأخذ بالسنة العملية، ولا نأخذ بالسنة القولية!!

فإن سلم لهم ذلك، قالوا: القرآن نفسه إنما كان يعالج أوضاع البيئة العربية المحدودة، وشؤون المجتمع البدوي الصغير، فلا بدَّ أن نأخذ ما يليق بتطورنا، وندع منه ما ليس كذلك!!

فإذا قال القرآن: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: ٣] وإذا سَمَّى


(١) المرجع السابق، (٣/ ١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>