للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا فسد التصور فبدهي أن يفسد الحكم؛ ولهذا قال الحجوي -رحمه الله-: "أكثر أغلاط الفتاوي من التصور" (١).

ومهما كان علم المفتي بالنصوص ومعرفته بالأدلة فإن هذا لا ينتج الحكم الصحيح ما لم يؤيد بمعرفة الواقع وفهمه على حقيقته وحسن تصوره.

وعليه فإن الناظر في نازلة من النوازل عليه أن يسلك المنهج الآتي بخطواته الثلاثة:

أولًا: التصور، ثانيًا: التكييف، ثالثًا: التطبيق (٢).

قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "جميع المسائل التي تحدث في كل وقت سواء حدثت أجناسها أو أفرادها يجب أن تُتَصور قبل كل شيء، فإذا عُرفت حقيقتها وشُخصت صفاتها، وتصورها الإنسان تصورًا تامًّا بذاتها ومقدماتها ونتائجها طُبقت على نصوص الشرع وأصوله الكلية؛ فإن الشرع يحلُّ جميع المشكلات: مشكلات الجماعات والأفراد، ويحل المسائل الكلية والجزئية، يحلها حلًّا مرضيًا للعقول الصحيحة، والفطر السليمة.

ويشترط أن ينظر فيه البصير من جميع نواحيه وجوانبه الواقعية والشرعية" (٣).

فهذه ثلاثة مدارك لا بدَّ لها من هذا الترتيب، فإن وقع خلل في أحدها نتج عنه ولا بدَّ خلل في الذي يليه، وصدق إياس بن معاوية (٤) -رحمه الله- لما قال لربيعة بن أبي عبد الرحمن


(١) الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، لمحمد بن الحسن الحجوي الثعالبي، تحقيق: د. عبد العزيز القاري، المكتبة العلمية، المدينة المنورة، ١٣٩٦ هـ، (٤/ ٥٧١).
(٢) فقه النوازل، د. محمد حسين الجيزاني، (١/ ٣٨).
(٣) الفتاوي السعدية، ضمن المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، مركز صالح ابن صالح الثقافي، عنيزة، ط ١، ١٤١١ هـ، (٧/ ١٣٧).
(٤) أبو واثلة، إياس بن معاوية بن قرة المزني، قاضي البصرة العلامة، روى عن سعيد بن المسيب، وأبيه، وأبي مجلز، ونافع، روى عنه ابن عجلان، وشعبة، وحماد بن سلمة، توفي سنة ١٢١ هـ. الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم، (٢/ ٢٨٢)، وسير أعلام النبلاء، للذهبي، (٥/ ١٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>