للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصلحة ما.

فالخمر والميسر وإن كانت المفاسد فيها كثيرةً وكبيرةً وراجحةً إلَّا أن فيها مصلحةً ولو كانت قليلةً أو ضعيفةً أو مرجوحةً.

ولذا قال سبحانه: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: ٢١٩].

والشارع الحكيم -سبحانه- في خطابه الشرعي يراعي الغالب من الأمرين، فيكون الحكم الشرعي للغالب، سواء أكان الغالبُ جانبَ الأمر، أم كان الغالبُ جانبَ الحظر، فالشارع يقيم الحكم للغالب من الجهتين: المصلحة أو المفسدة، والمفسدة إذا شابت الفعل المأمور به فليست هي المقصودة بذلك الأمر، وإنما المقصود الجهة الغالبة من المصلحة. وفي هذا يقول العز -رحمه الله-: "فإن قيل: الجهاد إفساد، وتفويت للنفوس والأطراف والأموال، وهو مع ذلك قربة إلى الله؟ قلنا: لا يتقرب به من جهة كونه إفساداً، وإنما يتقرب به من جهة كونه وسيلةً إلى درء المفاسد وجلب المصالح" (١).

وكذا إقامة القصاص والحدود مع ما فيه من فوات الأنفس والأطراف لمن تقام عليه فإنه إنما يتقرب به من جهة كونه وسيلة إلى درء المفاسد عن المجتمع بأسره.

وعليه فإنه عند اختلاط وامتزاج المصالح بالمفاسد الراجعة إلى الدنيا فإنها تفهم على مقتضى الغالب: "فإذا كان الغالب جهة المصلحة، فهي المصلحة المفهومة عرفًا، وإذا غلبت الجهة الأخرى، فهي المفسدة المفهومة عرفاً؛ ولذلك كان الفعل ذو الوجهين منسوباً إلى الجهة الراجحة، فإن رجحت المصلحة فمطلوب، ويقال فيه: إنه مصلحة، وإذا غلبت جهة المفسدة، فمهروب عنه، ويقال: إنه مفسدة" (٢).


(١) المصدر السابق، (١ - ١٨٥).
(٢) الموافقات، للشاطبي، (٢/ ٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>