للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله - صلى الله عليه وسلم -، وتضلع من علوم الشريعة، واستعان بالله تعالى وتوكل عليه. وكذلك من أسباب الخطأ الذي يقع فيه كثير من المجتهدين: مجاراة الظروف الواقعة صحيحها وفاسدها وقبولها والإفتاء بصحتها وشرعيتها، وإن خالفت في معظم الأحوال الحكم الشرعي تأثرًا بشدة سطوة الواقع، ويأسًا من محاولة تغييره لصعوبته، وأن ينسى المفتي وظيفة الشرع الحكيم الذي جاء لإصلاح ما فسد من الأحوال والعادات، وأن الواجب تطويع الواقع للنصوص، لا تطويع النصوص للواقع؛ لأن النصوص هي الميزان المعصوم الذي يجب أن يحتكم إليه ويعتمد عليه، أما الواقع فإنه يتغير من حسن إلى سيء ومن سيء إلى أسوأ، أو بالعكس، فلا ثبات له ولا عصمة؛ ولهذا يجب أن يرد المتغير إلى الثابت، ويرد غير المعصوم إلى المعصوم، ويرد الموزون إلى الميزان.

قال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: ٥٩] (١).

وقريب من هذا المعنى تقليد غير المسلمين، وهذا من آثار الهزيمة النفسية التي يعاني منها بعض المتصدرين للفتوى والمفتونين بزخرف الحضارة الغربية والذين يريدون أن تذوب الشخصية الإسلامية في هذه الحضارة المادية.

يقول فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي: "إن نفرًا من قومنا يعانون ما يسمونه (عقدة النقص) تجاه الغرب وحضارته وفكره، ويعتبرون الغرب إمامًا يجب أن يتبع ومثالًا يجب أن يحتذى، وما كان من أفكارنا وقيمنا وتقاليدنا ونظمنا مخالفًا للغرب اعتبروا ذلك عيبًا في حضارتنا، ونقصًا في شريعتنا، ما عليه الغرب إذًا هو الصواب، وما يخالفه هو الخطأ! " (٢).


(١) الإفتاء عند الأصوليين، د. محمد أكرم، (ص ٢٣٧).
(٢) الفتوى بين الانضباط والتسيب، د. القرضاوي، (ص ٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>