كتاب فقه النوازل للأقليات المسلمة

المبحث الأول خصائص الشريعة الإسلامية - المطلب الثاني: الثبات والديمومة مع المرونة - ج: 1 - ص: 162

التكليف إلى يوم القيامة" (١).

وقد حرص الصحابة والتابعون لهم بإحسان على العمل على ثبات أحكام الشريعة الإسلامية، فلا ترقى المستحبات إلى مرتبة الواجبات، ولا تنزل المحرمات إلى رتبة المكروهات؛ لأن هذا يعدُّ تغييرًا في الشريعة وتبديلًا لأحكامها.

قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- (٢): "سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وولاة الأمر من بعده سننًا؛ الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في شيء خالفها، من عمل بها مهتد، ومن انتصر بها منصور، ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرًا" (٣) (٤).

وفي تأكيد ثبوتها يقول الشاطبي -رحمه الله- في كلام محكم: "فلذلك لا تجد فيها بعد كمالها نسخًا، ولا تخصيصًا لعمومها، ولا تقييدًا لإطلاقها، ولا رفعًا لحكم من أحكامها، لا بحسب عموم المكلفين، ولا بحسب خصوص بعضهم، ولا بحسب زمان دون زمان، ولا حال دون حال، بل ما أثبت سببًا فهو سبب أبدًا لا يرتفع، وما كان شرطًا فهو أبدًا شرط، وما كان واجبًا فهو واجب أبدًا، أو مندوبًا فمندوب،

---

(١) المستصفى في علم الأصول، لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط ١، ١٤١٣ هـ، (١/ ١٤٨).
(٢) أبو حفص، عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، أمير المؤمنين الإمام العادل، والخليفة الصالح، ولي الخلافة تسعة وعشرين شهرًا مثل ولاية أبي بكر الصديق، روى عن أنس بن مالك وصلى أنس خلفه، وكان ثقة مأمونًا روى أحاديث كثيرة، توفي عام ١٠١ هـ الطبقات الكبرى، لابن سعد، (٥/ ٣٣٠)، سير أعلام النبلاء، للذهبي، (٥/ ١١٤).
(٣) كتاب الشريعة، لأبي بكر محمد بن الحسين الآجري، تحقيق: د. عبد الله بن عمر الدميجي، دار الوطن، الرياض، ط ٢، ١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م، (١/ ٤٠٨).
(٤) الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية، د. عابد بن محمد السفياني، دار الفرقان، القاهرة، ط ١، ١٤٠٨ هـ - ١٩٨٨ م، (ص ١٢١ - ١٢٩).