للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشروطهما وضوابطهما وأمثلتهما يتبين لنا أن النسخ وتغير الفتيا يلتقيان في وصفين (١):

الأول: أن كلًّا منهما يراعى فيه المصلحة ومقاصد التشريع.

الثاني: أن كلًّا منهما يتحقق فيه الانتقال من حكم إلى حكم، وترك الحكم الأول إلى الثاني.

ولكنْ بينهما فروق جوهرية، أهمها:

١ - أن النسخ رفع للحكم ومحوٌ له، بحيث لا يمكن أن يعود مرة ثانية للتعلق بالحادثة أو الواقعة أو الشيء المحكوم عليه، أما تغير الفتيا فليس فيه رفعُ الحكم ولا محوٌ له، وإنما هو عبارة عن ترك الحكم -في مسألة أو نازلة- إلى حكم آخر انتقالًا فقط، وليس لإزالة الحكم الأول؛ بل يبقى الحكم الأول، حتى إذا ما تغير الحال وعاد واقع المسألة لما يناسب الحكم الأول عاد الحكم فتعلق بها.

يقول الشاطبي -رحمه الله-: "وإنما معنى الاختلاف أن العوائد إذا اختلفت رجعت كل عادة إلى أصل شرعي يحكم به عليها" (٢).

٢ - أن النسخ لا يملكه إلا الله تبارك وتعالى الذي قال: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: ٣٩]، فما أثبته الله في الكتاب والسنة لم يجز لأحد أن يمحوه، وما نسخه الله تعالى في كتابه أو سنة رسوله لم يملك أحد أن يثبته، أما تغير الفُتيا فيملكه كل مجتهد؛ لأنه ينظر إلى الأحكام التي دورانها على المصلحة أو على العوائد، فإذا ما تغيرت المصلحة أو تبدلت العوائد نظر إلى ما يناسبها من الأحكام


(١) تغير الفتوى بتغير الحال في الشريعة الإسلامية، لسيد إبراهيم درويش، رسالة دكتوراه مخطوطة بكلية الشريعة والقانون، جامعة الأزهر، القاهرة، ١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م، (ص ٣٧).
(٢) الموافقات، للشاطبي، (٢/ ٢٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>