للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معينة أو مورد معين من موارد التكليف فإنه ينظر فيما يصلحه فيصفه له.

وقد قال الشاطبي إنه ينبغي على المجتهد: "النظر فيما يصلح لكل مكلف في نفسه بحسب وقت دون وقت، وحال دون حال، وشخص دون شخص؛ إذ النفوس ليست في قبول الأعمال الخاصة على وزان واحد" (١).

وهكذا يُعْطِي كلَّ إنسان من الدواء ما يرى أنه أشفى لمرضه، وأصلح لأمره، فهذا -وما سبق- أصل في تغير الجواب؛ وأن الفتيا تتغير بتغير أحوال السائلين.

ولهذا يجب أن يلاحظ المفتي في فتواه الظروف الشخصية للمستفتي -نفسية واجتماعية- والظروف العامة للعصر والبيئة.

ومما يلتحق باختلاف الفُتيا لاختلاف حال المكلَّفين، الاختلاف في النيات، فقد جاءت النصوص متكاثرة تفيد أن الثواب والعقاب بحسب النيات، وأن الأمور بحسب مقاصدها، وهذا الأمر معتبر في عامة الأحوال والأفعال.

لذلك لا يجوز هدم قاعدة الشريعة التي تفيد أن "المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات والعبارات، كما هي معتبرة في التقرُّبات والعبادات" (٢). والقصد والنية والاعتقاد يجعل الشيء حلالًا أو حرامًا وصحيحًا أو فاسدًا، وطاعة أو معصية، كما أن القصد في العبادة يجعلها واجبة أو مستحبة أو محرمة أو صحيحة أو فاسدة، فإن الرجل إذا اشترى أو استأجر أو اقترض أو نكح ونوى أن ذلك لموكِّله أو لمولِّيه كان له، وإن لم يتكلم به في العقد ولم ينوِهِ له وقع الملك للعاقد، وكذلك لو تملك المباحات في الصيد والحشيش وغيرها ونواه لموكِّله وقع الملك له عند جمهور الفقهاء.


(١) الموافقات، للشاطبي، (٤/ ٩٨).
(٢) إعلام الموقعين، لابن القيم، (٣/ ٩٥ - ٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>