ومع تقرير أن الاجتهاد مشروع بشروطه، وقد يكون فرضًا كفائيًّا أو عينيًّا، إلا أن خلافًا قد جرى بين الأئمة حول حكم الاجتهاد في النوازل المستجدة من كل وجه، والتي لم يسبق فيها قول لإمام، أو يعرف فيها قول لعالم أو حاكم.
وجمهور الفقهاء والأصوليين على مشروعية الاجتهاد في هذه النوازل، وتسويد الفتاوي فيها بعد تحريرها وضبطها، وذلك استنادًا للشرع والعقل والواقع، فإن النصوص التي تفتح باب الاجتهاد وتُعَيِّنُ عليه الأجور الكثيرة لا تقيده بسبق اجتهاد فيها، كما أن العقل يقضي بأنه عند نزول النوازل المستجدة من كل وجه لا بد أن يتصدى أرباب العلم والحلم لها، وإلا انساق الناس وراء الهوى، وتعطلت منافع الشريعة الغراء وفُتِحَ باب للطعن في وفائها بحاجات البشر.
قال الشاطبي:"الوقائع في الوجود لا تنحصر، فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصرة؛ ولذلك احتيج إلى فتح باب الاجتهاد من القياس وغيره، فلا بد من حدوث وقائع لا تكون منصوصًا على حكمها، ولا يوجد للأولين فيها اجتهاد، وعند ذلك فإما أن يترك الناس فيها مع أهوائهم، أو ينظر فيها بغير اجتهاد شرعي، وهو أيضًا اتباع للهوى، وذلك كله فساد"(١).
والواقع يقرر وجود مسائل كثيرة غير منصوص على حكمها، ولم يسبق لأهل العلم فيها اجتهاد، ولا يُؤْثَر عنهم فيها شيء، مثل: أطفال الأنابيب، واستئجار الأرحام، والاستنساخ، وأحكام التجنس، والعمل السياسي في غير بلاد الإسلام، وكثير من صور المعاملات المالية المستحدثة ونحوها، ولكل زمان نوازله وأقضيته.
فإن قيل: إن الإممام أحمد وغيره من أئمة الحديث نهوا عن القول في النوازل التي ليس للقائل