لا اختلاف على أنه من النوازل المعاصرة وجود أقليات مسلمة تقيم بصفة دائمة ومستمرة في بلاد لا تدين بالإسلام، ولا تعترف بسلطانه، وهذه حالة لم تكن معروفة من قبل، وما عرف منها في النادر الشاذ لم يكن بهذا الحجم ولا بهذا الشكل، وقد أصبحت هذه الأقليات تمثِّل وجودًا مهمًّا للإسلام في غير بلاده ودياره؛ إذ بممارستها لشعائر الإسلام تنتشر الدعوة الإسلامية، ويزداد دخول الناس في دين الله، وتتضح الصورة الحقيقيَّة للإسلام بما فيه من عدالة ورحمة وسعة، بل وأصبح يراود المسلمين في السنوات الأخيرة شعورٌ بالأمل في أن يكون لهذه الأقليات حضور فاعل أكبر وتأثير أكبر على مستوى القرارات العالمية؛ لينعكس ذلك إيجابيًّا على الإسلام وأهله.
وغير خافٍ أن هذه الكيانات المسلمة تُعاني مشاكل كثيرة، تطرح بسببها أسئلة فقهيَّة كبيرة نابعة من واقعها الحضاري المعقد، ووضعها الاستثنائي في إطار مجتمع له تشريعاته وقوانينه التي لا تمتُّ إلى الإسلام بصلة، وهذه الأسئلة كثيرة ومتنوعة؛ بعضها يتعلق بالمعاملات المالية حيث يسود التعامل بالربا ويشرع، ويؤاجِر المسلم نفسه للكافر فيعمل معه في محلات تقدَّم فيها الأطعمة والأشربة المحرمة، وبعضها يتعلق بالأحوال الشخصية حيث قد يسلم أحد الزوجين وييقى الآخر كافرًا، إلى غير ذلك، وبعضها يتعلق بالمرجعية عند التنازع والخصام حيث تنفرد القوانين والمحاكم الوضعية بالمرجعية، فماذا يفعل هؤلاء المسلمون المستضعفون؟
"لو أن هذا الوضع حدث في طور ازدهار الاجتهاد الفقهي وتعدد المجتهدين وقدرتهم على الاستنباط من الكتاب والسنة وتأصيل الأحكام وتعليلها، لوجد الحلول المناسبة والإجابات الشافية، لكن مع الأسف حدث هذا الوضع في عصر الجمود والتقليد وضعف الاجتهاد وقلة أهله، فأصبح عبئًا ثقيلًا على الفقه الإسلامي؛ إذ لا تمكن معالجته من خلال تراثنا الفقهي، وإنما تمكن معالجته من أصول هذا الفقه وقواعده