للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فينبغي عليه التريث والأناة، وألا يتسرع فيصدر الحكم في مسائل لم تكن قد اختمرت بعد في ذهنه، وهذا من المزالق الخطيرة التي تزل بسببها أقدام كثير من المفتين.

فمن واجبات المفتي: أن يتعرف الواقع الذي يحيط به، والمجتمع الذي يعيش فيه، ويتعرف على الأمور المستحدثة والعادات والمعاملات المنتشرة في بلده.

فالإحاطة بهذه الأمور كلها تضيء الطريق لدى المفتي فيجتهد في المسألة ليستنبط لها حكمًا شرعيًّا بعد الدراية الكاملة بملابسات الواقعة والتصور الكامل لها، فمثلًا الاجتهاد للحكم على المعاملات الربوية المستجدة يستلزم الدراسة الكاملة للمعاملات قانونيًّا واجتماعيًّا، وصفة المعاملة وكل ما يتعلق بها عَرَضًا وجوهرًا حتى يمكن استنباط الحكم الشرعي السليم لها (١).

وقد تقدم أن الفُتيا تتغير بتغير الزمان والمكان إذا كان الحكم مبنيًّا على عرف البلد ثم تغير العرف إلى عرف جديد لا يخالف النصوص الشرعية، كألفاظ العقود والطلاق واليمين ونحوها.

وكذلك فإن المنكر إذا ترتب على إنكاره منكر أشد حرم الإنكار، بل يترك بعض المستحبات والاختيار لمصلحة أعلى كتأليف القلوب، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

وعلى هذا الأساس قَعَّدَ العلماء رَحِمَهُمَا اللهُ قاعدة "لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان" (٢).

قال الحصكفي (٣): "فإن قلت: قد يحكون أقوالًا بلا ترجيح وقد يختلفون في الصحيح، قلت: يعمل بمثل ما عملوا من اعتبار تغير العرف وأحوال الناس وما هو


(١) الضوابط الشرعية للإفتاء، د. عبد الحي عزب، (ص ٧١، ٧٢).
(٢) شرح القواعد الفقهية، للزرقا، (ص ٢٢٧)، الوجيز، د. البورنو، (ص ٢٥٣).
(٣) علاء الدين، محمد بن علي بن محمد، الحصني، الحصكفي، مفتي الحنفية في دمشق، فقيه، أصولي، محدث، مفسر، نحوي، من مصنفاته: تعليقة على صحيح البخاري، وخزائن الأسرار وبدائع الأفكار في شرح تنوير الأبصار. توفي سنة ١٠٨٨ هـ. الأعلام، للزركلي، (٦/ ٢٩٤)، ومعجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة، (١١/ ٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>