كتاب فقه النوازل للأقليات المسلمة

القاعدة الثانية: الإسلام يجب ما قبله - المعنى العام للقاعدة - ج: 1 - ص: 443

وقد عبَّر عنها الجويني -رحمه الله- فقال: "وزر الكفر ينحط بالإيمان" (١).

وعبَّر عنها ابن العربي مستفيدًا من روايات الحديث بقوله: "الإسلام يهدم ما كان قبله" (٢).

وعبَّر بعضهم بالحتِّ بدلا من الجَبِّ (٣).

والجَبُّ -لغة-: بمعنى القطع، والتغلب (٤)، فالإسلام يقطع ما كان قبله عن أن يؤثر فيما بعده، ويمنع محاسبة من أسلم عما ارتكبه قبل إسلامه مما يُعتبر من المعاصي في الإسلام، فما صدر عن غير المسلم من أقوال أو أفعال أو تَركٍ حالَ كفره، إن كان يترتب عليها عقاب، لو صدرت عنه في حال الإسلام، فإن الإسلام يقطعها ويجعلها كالعدم، أي: أنه يرفع آثارها، ويمنع مِن ترتب الأحكام عليها (٥).

كما اتفقت كلمة علماء أهل الإسلام قاطبةً على أن الكافر إذا أسلم لا يُكَلَّفُ بقضاء ما فاته من عبادات، سواء في ذلك الصلاة والصيام والزكاة، أو الحج إذا أعسر بعد يسر في كفره (٦).

بل إنهم لم يصححوا قضاءه للعبادة إذا أراد أن يقضيها؛ لأنه ليس من أهلها، لا فرضًا ولا نفلًا، فلم يصحَّ ما فعله بعد الإسلام عما فاته في زمان الكفر، بخلاف الحائض

---

= حديث عمرو بن العاص -رضي الله عنه-، في سياق حكاية قصة إسلامه وهو على فراش الموت.
(١) الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، لأبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني، تحقيق: د. محمد يوسف مويس، د. علي عبد المنعم عبد الحميد، مكتبة الخانجي، القاهرة، ١٣٦٩ هـ - ١٩٥٠ م، (ص ٤٠٩).
(٢) أحكام القرآن، لابن العربي، (٢/ ٣٩٨).
(٣) السيرة النبوية، لابن هشام، (٢/ ٢٧٨).
(٤) لسان العرب، لابن منظور، (٢/ ١٦١)، الصحاح، للجوهري، (١/ ٩٦).
(٥) القواعد الفقهية، للبجنوردي، (ص ٣٩)، نقلًا عن قاعدة المشقة تجلب التيسير، د. يعقوب الباحسين، (ص ٥٥٠).
(٦) حاشية العدوي، للشيخ علي الصعيدي العدوي، مطبوع بهامش: كفاية الطالب الرباني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، تحقيق: أحمد حمدي إمام، مطبعة المدني، القاهرة، ط ١، ١٤٠٧ هـ - ١٩٨٧ م، (١/ ٦٢٥)، المجموع، للنووي، (٦/ ٢٥٢)، روضة الطالبين، للنووي، (١/ ١٩٠)، المبدع شرح المقنع، لبرهان الدين إبراهيم بن مفلح، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، (٢/ ٢٩٢)، الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص ٥٢٦).