للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي على نحو ما أسمع. . . " (١).

قال ابن القيم -رحمه الله-: "وأول من قام بهذا المنصب الشريف سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين عبد الله ورسوله وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده، فكان يفتي عن الله بوحيه المبين، وكان كما قال له أحكم الحاكمين: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: ٨٦] " (٢).

وبعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - كان الصحابة يرجعون إلى علمائهم، وعلى رأسهم الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء، المأمور بلزوم سنتهم، واقتفاء أثرهم، وكانوا -رضي الله عنهم- يلتمسون الأحكام في كتاب ربهم وسنة نبيهم، لا يجاوزون ذلك، فإذا أعياهم البحث عن النص القاطع للنزاع اجتهدوا في استنباط حكم تلك الواقعة المستجدة الذي يوافق الكتاب والسنة، ولا يصادم مقاصد الشريعة الغراء، ولا ينافي قواعدها الكلية.

يقول عنهم أبو شامة -رحمه الله- (٣): "فكانوا إذا نزلت بهم نازلة بحثوا عن حكم الله فيها من كتاب الله وسنة نبيه، وكانوا يتدافعون الفتوى، ويود أحدهم لو كفاه إياها غيره" (٤).


= كان المذهب المختار: جواز الخطأ في اجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعليه فإذا وقعَ فلا بد من التنبيه عليه فورًا بالاتِّفاق. فإذا أُقِرَّ على اجتهاده، ولم يُنَبَّه على خطأ فيه، دلَّ ذلك على أَنَّ حكمه حقٌّ؛ فيكون حجةً يجب العمل بها، بمثابة الحكم الصادر عن اجتهاده -على القول بعصمته من الخطأ- وبمثابة الحكم الموحى به؛ إِذْ تقريره تعالى وحيٌ، وعليه فالسنة كلها وحي. حجية السنة، للشيخ عبد الغني عبد الخالق، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، هيرندن، الولايات المتحدة الأمريكية، ط ١، ١٤١٥ هـ - ١٩٩٥ م، (ص ٢٢٢).
(١) أخرجه: البخاري، كتاب الأحكام، باب: موعظة الإمام للخصوم، (٧١٦٩)، ومسلم، كتاب الأقضية، باب: الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، (١٧١٣)، من حديث أم سلمة -رضي الله عنها-.
(٢) إعلام الموقعين، لابن القيم، (١/ ١١).
(٣) أبو شامة المقدسي، عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الشافعي، محدث، حافظ، فقيه، مفسر، من مصنفاته: كتاب الروضتين في أخبار الدولتين، والرد إلى الأمر الأول، ولد سنة ٥٩٩ هـ، وتوفي بدمشق في رمضان ٦٦٥ هـ. طبقات الشافعية الكبرى، لابن السبكي، (٨/ ١٦٣) شذرات الذهب، لابن العماد، (٧/ ٥٥٣).
(٤) مختصر كتاب المؤمل للرد إلى الأمر الأول، لعبد الرحمن ابن أبي شامة، ضمن مجموعة الرسائل المنيرية، (٢/ ٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>