للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فانحرها فأبى، فنفقت، فقالت: اسلخها حتى نقدِّد شحمها ولحمها ونأكله، فقال: حتى أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتاه فسأله فقال - صلى الله عليه وسلم -: "هل عندك غنى يغنيك؟ " قال: لا، قال: "فكلوها" (١).

ويدل لهذا أيضًا عدد من القواعد الفقهية التي تقرر هذا المعنى، ومن ذلك: "الضرر يدفع بقدر الإمكان" (٢).

فالأصل في الضرر أن يزال بالكلية، فإن لم تمكن إزالته بالكلية، فيزال المقدور عليه، أو يترك على حاله.

كالمغصوب يُردُّ بحاله إن كان قائمًا سليمًا، أو معيبًا وأرش النقص معه، فإن كان هالكًا فيُرَدُّ مثله إن كان مثليًّا، أو قيمته إن كان قيميًّا.

ومن تلك القواعد الفقهية -أيضًا-: "الميسور لا يسقط بالمعسور" (٣):

فما تيسر من التكاليف لا يسقط بما تعسر أداؤه، والمشقة لا تُسقط التكليف بالأمور المستطاعة، قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦].

وقال سبحانه: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: ٧]، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لعمران بن حصين: "صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب" (٤).

وبالجملة فإنه: متى أمكن لأحد وتيسر له الحصول على الحلال الطيب فإن حالته لا تعد من قبيل الضرورة، بل يتعين عليه في هذه الحالة أن يقتصر على هذا الحلال ويستغني به، ولا يجوز له ارتكاب شيء من الحرام (٥).


(١) سبق تخريجه.
(٢) شرح القواعد الفقهية، للزرقا، (ص ٢٠٧)، الوجيز، للبورنو، (ص ١٩٨).
(٣) الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص ١٥٩)، المنثور، للزركشي، (٣/ ١٩٨)، الأشباه والنظائر، لابن السبكي، (١/ ١٧٤).
(٤) أخرجه: البخاري، كتاب تقصير الصلاة، باب: إذا لم يطق قاعدًا صلى على جنب، (١١١٧)، من حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه-.
(٥) حقيقة الضرورة الشرعية، لمحمد الجيزاني، (ص ٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>