للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإيمان به؛ إذ لا اطلاع للمكرِه على ما يشتمل عليه الجنان من كفر وإيمان، وجحد وعرفان" (١).

كما لا يتصور اضطرار إلى قتل نفس معصومة؛ لأن النفوس من حيث هي نفوس في مرتبة واحدة في نظر الشرع (٢).

قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء: ٣٣].

وكذا لا يتصور اضطرار إلى الزنا واللواط والفواحش الظاهرة والباطنة، قال سبحانه: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: ١٥١]، ولو كان يفعل هذا بغير المسلم، وبغير ديار الإسلام.

ومما له تعلق بحياة الأقليات من التطبيقات: حرمة تولي الكفار واتخاذهم أولياء من دون المؤمنين، وإن أقام المسلم -لحاجته- بينهم، ولا يجري في ذلك اضطرار؛ لأن عقيدة الولاء والبراء موضعها القلب الذي لا سلطان لأحدٍ عليه، وليس لأحد أن يحتج على محبته القلبية لأعداء الله بما بينه وبينهم من تعامل ظاهر، وليس لأحد أن يدعي اضطرارًا في هذا الأمر، بل لا ينعقد الإيمان إلا ببغض أولياء الشيطان، وما هم عليه من باطل الأديان، قال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الممتحنة: ٤].

كما أنه ليس لأهل فلسطين -وإن بلغ العنت منهم مبلغًا- أن يصالحوا أعداء الدين على التنازل عنها نهائيًّا ولا بيعها للكافرين، ولا عقد صلح دائمٍ ومطلق، فإن وقع شيء


(١) قواعد الأحكام، للعز ابن عبد السلام، (١/ ١٣٧).
(٢) شفاء الغليل، للغزالي، (ص ٢٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>