للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجمع بين المتطلبين السابقين يستلزم فقيهًا يوصف بفقه النفس، وبعد النظر، وسعة الصدر ورجاحة الفكر، وصدق الإيمان، ورسوخ التقوى.

وكل من الفقيه المفتي، والسائل المستفتي عليه أن يحسن قصده، ويضبط قوله بضوابط الشرع المطهر.

أما المفتي فيعلم أنه يمارس صفة مركبة تبدأ بالتشخيص والتكييف الفقهي للمسألة، وتمرُّ بتَلَمُّسِ الدليلِ، وعلاقاته بالواقع، ومن ثم تصدر الفتيا، ولا يتم إلا بعلم وعمل ودرية وتجربة ومشورة.

وليحذر المفتي والمستفتي من الوقوع تحت ضغط الواقع والمجتمع، أو التقديم بين يدي الله ورسوله بقول، أو رأي، وقد قال تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: ١١٩].

والأصل هو وجوب التحاكم إلى الشرع المطهر داخل ديار الإسلام وخارجها، فإن الأحكام الشرعية تخاطب المسلم حيثما كان، وتحكيم الشريعة عند القدرة على ذلك أحد معاقد التفرقة بين الإيمان والنفاق (١).

وعليه، فلا يحل لمسلم أن يتحاكم إلى غير كتاب ربه، فإن فعل اختيارًا لم يكن من أهل الإسلام.

قال ابن حزم -رحمه الله-: "لا خلاف بين اثنين من المسلمين أن من حكم بحكم الإنجيل مما لم يأتِ بالنص عليه وحي في شريعة الإسلام فإنه كافر مشرك خارج عن الإسلام" (٢).

وقال ابن تيمية -رحمه الله-: "والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه، أو حرم الحلال المجمع عليه، أو بدَّل الشرع المجمع عليه كان كافرًا باتفاق الفقهاء" (٣).

ويرخص في اللجوء إلى القضاء الوضعي عندما يتعين سبيلًا لاستخلاص حقٍّ أو دفع مظلمة في بلد لا تحكمه الشريعة؛ لانعدام البديل الشرعي القادر على ذلك، سواء


(١) قرارات وتوصيات المؤتمر الثاني لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، كوبنهاجن، الدنمارك، ١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٠ هـ، (ص ٢١).
(٢) الإحكام، لابن حزم، (٥/ ١٧٣)، بتصرف يسير.
(٣) مجموع الفتاوي، لابن تيمية، (٣/ ٢٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>