للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التحاكم إلى المحاكم البريطانية في تلك النازلة.

وأما ما يدل على القيد الأول: تعذر استخلاص الحقوق أو دفع المظالم عن طريق القضاء الشرعي، فهو أنه إذا أمكن استخلاص الحق أو دفع المظلمة عن طريق القضاء الشرعي لم تكن هناك ضرورة تلجئ إلى التحاكم إلى القانون الوضعي الذي حكمه التحريم، كما تقدم لغير الضرورة.

وأما ما يدل على القيد الثاني: معرفة حكم الشرع في النازلة وعدم المطالبة بزيادة، فهو أن المطالبة بزيادة على حكم الشرع ظلم، والظلم حرام، دلَّ على ذلك الكتاب، والسنة، والإجماع، فمن أدلة الكتاب: قوله تعالى: {أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [الأعراف: ٤٤]، ومن أدلة السنة: الحديث القدسي: "إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا" (١)، ومن دلائل ذلك: أن المسلم يجب عليه في حالة سلوك الوسيلة المباحة، وهي التحاكم إلى الشرع، ألا يأخذ مال غيره، وإن حكم له به الحاكم الشرعي؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صدق، فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها، أو فليتركها" (٢)؛ فمن باب أولى لا يبيح له حكم الحاكم غير الشرعي أن يظلم غيره.

ومن دلائل ذلك أيضًا: القاعدة الفقهية: "الضرورة تقدر بقدرها"، ودلائلها المعروفة، ولأن الضرورة أباحت سلوك وسيلة محرمة لاستخلاص الحق ودفع الظلم،


(١) أخرجه: مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم، (٢٥٧٧)، من حديث أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه-، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما روى عن الله -سبحانه وتعالى- أنه قال: "يا عبادي؛ إني حرمت الظلم. . ." فذكره.
(٢) أخرجه: البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب: إثم مَن خاصم في باطل وهو يعلمه، (٢٤٥٨)، ومسلم، كتاب الأقضية، باب: الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، (١٧١٣)، من حديث زينب بنت أم سلمة عن أمها أم سلمة -رضي الله عنها- زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرتها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سمع خصومة بباب حجرته فخرج إليهم فقال. . . فذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>